رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 - 25 محرم 1420هـ 5 - 11 مايو 1999
العدد 1375

حرب البلقان.. محاولة للفهم(2-2)
دبي الحربي
dabbey@taleea.com

العرب "وميلوسفيتش" العراق

 

وهكذا نرى أن هناك تشابه بين سياسات صدام حسين وسلوبودان مليوسيفيتش، وحساباتهما السياسية الخاطئة، فبدلا من تدعيم نفوذ بلديهما في المناطق المحيطة في إطار من التعامل الحضاري والواعي عرضاهما للانتهاك وعززا النفوذ الأمريكي عربيا وأوروبيا·

وكم كانت دهشتنا كبيرة أن يكون الغزو البربري الهمجي على الكويت في 2/8/1990 هو خلاصة الحوارات المتلفزة عام 1989 بين سفراء العراق ومندوبيه في الخارج حول التحولات وما يجري في أوروبا في ذلك الحين تلك الحوارات التي تميزت بدرجة من الوعي السياسي الحضاري ولكن يبدو أن سيادة الفكر الاستبدادي تفقد الوعي والنضج الحضاري خلاصاته السليمة والعقلانية، فإذا كانت أوروبا قادرة على التخفيف والتعامل الندي مع النفوذ الأمريكي، وفرض رؤيتها في ترتيب البيت الأوروبي، فإن الدول العربية أبعد ما تكون عن ترتيب أوضاعها، أو خلق تنسيق فعال للسيطرة على ما هو قادم أو التعامل مع النفوذ الصهيوني - الأمريكي بما يحقق الحد الأدنى من المصالح القومية العربية أو حتى الحفاظ على ما هو قائم منها·

وما زال العرب حبيسي النزوات العنترية لصدام حسين، من دون أن نبقية في خانته المغلقة، ونرتب باقي البيت العربي، أو نحتويه في ظل إجماع عربي فاعل وحضاري المنطلق!! يُدخل العراق في منطق العصر·· فالحسم في العراق أوروبيا وأمريكيا لم يحن بعد كحالة السلام في الشرق الأوسط· وهذا باعتقادي يلخص الى حد كبير مجمل الصراع الحالي في أوروبا وفي دول البلقان على وجه التحديد والحالة العربية المؤجلة الحسم·

 

إنسانيتنا وإنسانيتهم:

 

وتبقى الحالة الإنسانية لألبان كوسوفو والبوسنة والهرسك سابقا، مدعاة لاستدرار عطف جماعات الضغط الإنسانية وإشراكها في المخطط الغربي وتبرير لسياسة الغرب "القاسية والوحشية" في خدمة أهدافه الاستراتيجية وإن ألبس هذه السياسة قفزات من حرير·

وعلى النقيض من هذا كله فبدأت إنسانيتنا وتعاطفنا الإنساني تابعا، فماذا سنقدم للاجئي الألبان، أو البوسنة والهرسك أمام قدرات أوروبا والغرب، كما بدأت إنسانيتنا بعيدة عن المنطق الحضاري ولبست لباس التعصب الديني، فالغرب أكثر منا إنسانية في تعامله مع الحالات الإنسانية المجردة وأكثر منا حسما وقسوة في خدمة أغراضه الاستراتيجية ولن تشكل مساعداتنا كدول عربية وإسلامية قطرة فيما يمكن أن يقدمه الغرب لمهجريه، ففي الوقت الذي نتناسى أو نغض الطرف عن المآسي الإنسانية في داخل دولنا العربية أو تلك الدول المتاخمة والمحيطة بنا في أفريقيا وآسيا مثل ما يجري في الصومال وأثيوبيا وأريتيريا، وجنوب السودان·· الخ· بدل أن نلتفت لذلك نتسابق لتقديم المساعدات لمهجري أوروبا وربع ما نقدمه بإمكانه أن ينتشل شعب الصومال وجنوب السودان ودول أفريقية كثيرة من حالة التردي والمجاعة والضعف وتكون رصيدا مستقبليا لنا، ولو كان هناك رؤية استراتيجية عربية، لبذلت الدول العربية الجهد والمال لحل الخلافات مع العراق وبين أريتيريا وأثيوبيا، لوضعت حدا للمآسي الإنسانية في جنوب السودان والصومال·· وعلينا أن ندرك أن سابقة كوسوفو وفرض استقلالها بواسطة الذراع العسكرية للناتو ممكن أن يتكرر في جنوب السودان وشمال العراق، والجزائر·· الخ· وفق منظور استراتيجية غربية مناقضة لمصالحنا القومية· فنحن ما زلنا نعيش بالعقلية العشائرية والقبلية الضيقة التي تبرر للاستمرار في عقلية الدولة القطرية المنفصلة عن واقعها الجغرافي والقومي· وعلينا أن نتجاوز هذه العقلية ونسد الاختلالات والمآسي الإنسانية في محيطنا الجغرافي التي تعتبر في خانة المؤجلة غربيا قبل أن يتفرغ لها الغرب ويجيرها لخدمة مصالحه على حسابنا·

وهذه الحالات الإنسانية لدينا أو في محيطنا الجغرافي قد يستخدمها الغرب لاحقا ضدنا ولخدمة مصالحه وأهدافه الاستراتيجية·· فلماذا نكون التابع دائما فعندما هبت واشنطن لنجدة الصومال·· هببنا معها وعندما رفعت واشنطن يدها عن الصومال تناسينا هذا الإقليم العربي النازف والجائع، وهو يطل على أهم المنافذ البحرية والاستراتيجية، المحيطة بنا والمهمة لنا حاضرا ومستقبلا وهو بالنسبة لواشنطن مؤجل آنيا·

فنحن لا يمكننا أن نغير في الغرب لا على مستوى الأيديولوجية ولا على مستوى الأفكار الحاضرة والسائدة والمصالح القائمة، بينما بإمكاننا التغيير للأفضل على مستوى محيطنا مصلحيا بما يخدم حاضرنا ومستقبلنا·

فالأقربون (لا الغربيون) أولى بالمعروف·

استطراد*

لماذا المسلمون في البلقان؟

 

نحن نشاطرو نتفهم بعمق مشاعر المسلمين والعرب المتعاطفة مع مسلمي كوسوفو وقبلهم مع مسلمي البوسنة والهرسك، وحنقهم على بلغراد والصرب عموما، ونتألم مثلهم إلا أن الأمر أبعد من ذلك كله حيث إن الصرب والمسلمين كلاهما أداة، فصاحب القرار في حلف الناتو وصانع القرار في العواصم الغربية الفاعلة "واشنطن ، بون، باريس، ولندن" يعي أن استخدام المسلمين لخدمة اهدافه الاستراتيجية لن يكون له ثمن سياسي يذكر في داخل أوروبا أو خارجها بعكس الأمر لو كان الضحية المباشرة لهذه الاستراتيجية ولاسيما تدخله العسكري الفظ ضد يوغسلافيا هم من الطائفة المسيحية، لو كان الأمر كذلك لجاء بحث الناتو عن حل سلمي أكثر جدية وفاعلية مما كان عليه الأمر في محادثات رامبوييه، فالغرب هو الذي دفع إلى هذه النتيجة لأن التشريد والتطهير سيقع على المسلمين لا على غيرهم، فصانع القرار في حلف الناتو يدرك أن الثمن سيكون باهظا سياسيا لو كان ضحية سياسته تلك من الطائفة المسيحية لأن قوى الضغط السياسية في الغرب لا سيما الكنائس المسيحية بمختلف طوائفها والجمعيات الإنسانية بمختلف انتماءاتها سيكون لها دور أكثر فاعلية ولربما تطيح ببعض التيارات السياسية الغربية وتهز الشارع الأوروبي بعنف·· ولبحث الغرب الأوروبي والأمريكي عن وسائل أخرى لتحقيق استراتيجيته·

فالمسلمون الأوروبيون هم الحلقة الأضعف واستخدامهم في البوسنة والهرسك ثم في كوسوفو كطعم لحصار بلغراد ومن ثم ضربها وتحطيم بنيتها الأساسية دون إلحاق أضرار بشرية مؤثرة يحقق للناتو ميزتين مهمتين:-

1 - تحقيق استراتيجية الناتو في أوروبا بشكل فاعل ومؤثر وفي وقت قياسي يبعد احتمال لعب روسيا لأني دور سياسي مؤثر في أوروبا بعد ما بدا أن موسكو تحاول استعادة دورها اقليميا وعالميا، وفي الوقت نفسه لن يتحمل صانع القرار الغربي أي أعباء سياسية في داخل أوروبا وأمريكا أو خارجهما إضافة إلى ما يحققه من إضعاف دور المسلمين واحتوائهم داخل أوروبا··

2 - إضفاء الطابع الإنساني والحضاري على سياسات حلف "الناتو" في حماية الأقليات العرقية والطائفية·· ومن جانب آخر كسب التأييد الإسلامي لظاهر وقوفه في صف المسلمين الأوروبيين مما قد يخفف من ظاهرة العداء للغرب من قبل الأصوليين الإسلاميين في العالم، وإن كان مؤقتا·· ونقول إن مؤقتا لأن قادم الأيام يشير إلى أنياب الناتو ستوجه للمسلمين مباشرة وليس كما هي الحال بشكل مستتر· فالصراع في البوسنة والهرسك بدأ عام 1992 ولم يتحرك الغرب لمناصرة المسلمين الذين كانوا بين مطرقة الصرب وسندان الكروات إلا عام 1996··  وبقيت كوسوفو المسلمة هادئة في أحضان صربيا، حتى تم تفجير الصراع مع بداية العام الجاري في ظل رعاية غربية مباشرة· نحن بالطبع لا نبرىء صربيا من اشتراكها في هذه المآسي الإنسانية فهي لم تبدِِ أي تسامح تجاه المسلمين ولم تحترم خصوصيتهم مقارنة باستقلال مقدونيا وكرواتيا وسلوفينيا وكانت بلغراد تعتقلانها تقدم خدمة لأوروبا المسلمين ولن يغير يوغسلافيا "صربيا الآن" لو أنها خففت من معاداتها لانفصال أجزاء منها ما دامت التوجهات الأوروبية العامة تتجه للوحدة، بل إن الغرب الأوروبي بدأ أكثر ترحيبا بالانفصاليين اليوغسلاف بعكس توجهاته الوحدوية وكانت هذه رسالة ولو أن بلغراد فهمت هذه الرسالة ومغزى التوجهات الأوروبية لأحبطت إلى حد كبير مخطط إضعافها ولأبقت على أواصر الصداقة القائمة بين شعوبها في السابق ، إلا أن تسارع الأحداث أفقد القيادة اليوغسلافية الحالية رشدها ومكّن الغرب من تنفيذ استراتيجيته في أوروبا·

 *هذه الرؤية التحليلية كتبت قبل أكثر من ثلاثة أسابيع ولظروف خاصة لم تنشر في حينها، والأحداث التالية زادتنا اقتناعا بما نحونا إليه بل إن حلف الناتو كشف علنا عما كان مستورا ··وأعلن قادته في احتفالاتهم باليوبيل الذهبي للحلف في العاصمة الأمريكية بأنه سيكون الذراع العسكرية لخدمة المصالح الغربية أينما وجدت!! مما يشير إلى أن الحلف نجح في دق إسفين بين روسيا وحلفائها السابقين في شرق أوروبا ، وإضعاف دورها عالميا· (الكاتب)

�����
   

توظيف ديني:
محمد مساعد الصالح
العلاقات السعودية - الإيرانية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حكومة آيلة للسقوط:
د.مصطفى عباس معرفي
جزع الحكومة من المجلس:
يحيى الربيعان
رياح العولمة:
عامر ذياب التميمي
المعداوي:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
طقوس التعاون الأخوي!!:
سعاد المعجل
حرب البلقان.. محاولة للفهم(2-2):
دبي الحربي
أزمة تلد أخرى:
أنور الرشيد
لماذا التواري خلف الحقيقة..؟!!:
حسن علي كرم
آخر احتفال بمولد صدام الأسود:
حميد المالكي
الطالب المبدع.. ووزارة التربية!!:
فوزية أبل