| في كل أسبوع يخصص مجلس العموم البريطاني جزءاً من جلساته تحت بند: "أسأل تجب"، ويمضي "سيناريو" الجلسة بوقوف أحد نواب المعارضة وتوجيه سؤال شفهي للحكومة البريطانية· إثر انتهاء النائب من سؤاله تتعالى أصوات المؤيدين من حزبه استحساناً لما طرح، بينما ترتفع أصوات الحكومة والنواب من حزبها استهجاناً مع خبط الأعضاء على الطاولة أمامهم· وبعد هدوء القاعة يقف السيد توني بلير أمام المنصة وهو يحمل ملفاً سحرياً، يبدو أنه يضم كل معلومات الدنيا، ويجيب شفاهة على السؤال· ومرة أخرى، ومع انتهاء بلير من الجواب ترتفع أصوات الحكومة ونوابها تأييداً واستحساناً، بينما يكون دور الاستهجان و"القرقعة" على الطاولات من نصيب المعارضة·
هذا التقليد البريطاني يمثل في جوهره استجواباً يتم أسبوعياً ولأي وزير أو رئيس وزراء، من دون أن يثير الأمر مجلس الوزراء أو يقلب الأمة رأساً على عقب، ومن دون أن تنشغل الدواوين البريطانية بالموضوع أو تمتلئ صفحات صحفها بالتحليلات المتباينة· بل إن الأمر لا يشغل إدارات الوزارات في تجميع المعلومات ولا يبعد نواب الأمة عن مهامهم الرئيسة· كل ما في القضية أن النائب السائل وحزبه إما يقتنعان بطرح الوزير أو رئيس الوزراء وينتهي عند هذه الحدود أو أن الجواب يكون غير مقنع مما يستدعي طرح الثقة· وحتى قضية طرح الثقة لا تأخذ أبعاداً تلهي الحكومة والنواب والمجتمع عن أداء دورهم الأساسي·
الدستور الكويتي واللائحة الداخلية لمجلس الأمة يحددان أيضاً أن الأصل في السؤال البرلماني هو الإجابة الشفهية في الجلسة نفسها، لكن التقليد الذي اتبعه المجلس هو تقديم السؤال كتابة ومن ثم تقديم الجواب كتابة أيضاً خلال فترة زمنية طويلة نسبياً· وبهذه الكيفية أضحت أداة السؤال البرلماني قضية معقدة تستهلك جهد إدارات الوزارات المختلفة، ومن هذا المنطلق أيضاً أحيطت أداة الاستجواب بهالة كبيرة جعلت منها بعبعاً يخافه الوزراء وتخشاه الحكومة· هذا التهويل في أداة الاستجواب يجعل الحكومة في مهب الرياح مع كل استجواب يقدم مهما صغر الأمر، وبذلك تتأزم العلاقة بين السلطتين لتصل إلى حد القطيعة والطلاق، ولينتهي الأمر بتعديل جزئي أو جذري واعتبار إسدال الستار نصراً مؤزراً لطرف أو آخر·
إن العلاج الجذري لخطأ أداتي السؤال والاستجواب يكمن في العودة إلى الدستور وإلى اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وتفعليهما ووضعهما موضع التطبيق العلمي· أما الأعراف والتقاليد واللائحة الداخلية، فما وافقهما نأخذ به وما خالفهما نضرب به عرض الحائط· |
