قد يقول البعض إن الفساد والفسوق لطبقة الملأ هو من أمر الله· فالله يقول " وإذا أردنا أن نهلك قرية، أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول· فدمرناها تدميرا··" 16 - الاسراء·

والرد على ذلك: إن الحياة الدنيا محكومة بقوانين وسنن إلهية· ومن هذه السنن: أسباب الغنى والفقر والوسائل التي تؤدي إليهما، كما أن هناك الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى العدالة والإنصاف والحياة الكريمة، والمجتمع حر في اختيار هذه أو تلك، فأسباب الغنى والثراء، وبالتالي الفقر والفاقة "وهما مترابطان"· وأسباب العدالة والكرامة وضعها الله في شكل قواعد وقوانين بحيث تؤدي، لمن يتوسل بها، إلى الغنى والفقر· من ناحية، أو إلى العدالة والإنصاف من ناحية أخرى·· فكان الله هو الذي يغني ويفقر، أو ينصف ويعدل· ولكن الإنسان حر في سلوكه، وحر في اختيار الأسباب والوسائل، وحسابه عند الله· أما في الدنيا· فإننا يجب أن نتعرف على  هذه الأسباب والعلل، لكي نقضي على التفاوت الطبقي، ومن حسن الحظ أن الأسباب والوسائل لشتى الأمور قائمة وفاعلة، وهي من وضع الله وعلى الإنسان أن يكسب سواء الإثم أم الأجر على أساس نواميس الحياة وسننها·

يقول عبد المنعم خلاف "إذاً فالقضية في رأي القرآن هي قضية إخلال الناس بالأوضاع الطبيعية الواجبة بينهم، وهذا الإخلال ينشأ في رأي القرآن من·· أكل "التراث"·· وحب المال· ذلك الحب الكثير الشديد الذي ينسى الناس أن المال مال الله لجميع خلقه· ولكن الأنانية والظلم منعتاه عن الضعفاء والمساكين، فصار الحال كما قال عمر بن الخطاب "ما تمتع غني· إلا من جوع فقير" وباختصار، فقد وضع الله قاعدة هي أن الترف والغنى يقودان إلى الفسق "وهو هنا الاستغلال الطبقي"· وإن الفسق لابد أن يقود إلى الهلاك·

الطبقة الوسطى: ويدور حول الملأ بعض الشرائح الاجتماعية· وأهمها: الطبقة الوسطى· المتسكعة والمتطفلة على موائد الأثرياء والأغنياء وحملة الشهادات والمثقفين بالثقافة الطبقية المقيتة· ومن أهم صفاتهم الكذب والدجل حتى مع أكرم الناس "إذا جاءك المنافقون ، قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"1- المنافقون· كما أنهم يناورون، ولا يثبتون على أمر واحد· وطرحهم لا يتفق مع عملهم "يقولون مالا يفعلون" 226 - الشعراء· والدور الذي يقومون به، دور مخرب، وقد شكلوا فئة انتهازية مارقة، كانت تندس في صفوف المؤمنين أيام الرسول "[" ومن صفاتهم المقيتة، الخداع والتضليل "إن المنافقين يخادعون الله، وهو خادعهم" 42 - النساء بل والخروج عن الدين "إن المنافقين هم الفاسقون" 67 - التوبة، وهم بدجلهم ونفاقهم من أخس خلق الله، وذلك استحقوا أقسى عقوبة "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" 145 - النساء ·

الملاكية الصغيرة: ومن الفئات التي تدور في فلك الملأ هم الملاكية الصغيرة "البرجوازية الصغيرة"، وأهم صفة لهم هي التذبذب والتردد "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " 143 - النساء· فتراهم في فترة نهوض المستضعفين، ينحازون لهم، أما عندما يحكم الملأ سيطرته فإنهم يميلون إلى جانبه، ويشكلون أحيانا قوى متطرفة تزايد على طبقة المستضعفين، وتتشدق بالطرح العنيف· وإن كانوا من أجبن خلق الله· عندما تدق ساعة الثورة والعمل إنهم يعانون من استغلال الملأ ويتعرضون للإفلاس، في فترات الكساد والأزمات لكنهم يتأملون دائما أن يرقوا إلى مصاف الملأ يوما ما، وبالتالي فإنهم لا يدينون الملكية الخاصة إلا على سبيل المزايدة، كما أنهم لا يدينون سياسات الأنظمة الطبقية إلا مرة أخرى، على سبيل الكذب والدعوى الباطلة، ويندس في صفوفهم كثرة من أعوان السلطة ومواليهم· ويرفعون شعارات مخربة وهم غير متجانسين "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" 14 - الحشر· وهم يشككون في بعضهم بعضا "وارتابت قلوبهم" 45  التوبة· وهناك  وشائج عدة تربطهم بفئة المنافقين· وهم مرضى معنويا ومحبطون "إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" 12 - الأحزاب، ويصابون بالذعر في أوقات الأزمات "وقذف في قلوبهم الرعب" 26 الأحزاب ، "رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك· نظر المغشي عليه من الموت" 20 - محمد· وتجمعهم مع الطبقة الوسطى خصلة النفاق "إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: غرَّ هؤلاء دينهم" 49 - الأنفال·

وقد وقف المنافقون والمذبذبون مواقف مشينة وخطرة أيام الرسول "صلى الله عليه وسلم"· فقد انسحبوا من ميدان القتال أكثر من مرة، وعملوا على تثبيط معنويات الجيش الإسلامي· وقد نزلت آيات عدة تكشف نواياهم وحقيقة موقفهم "يحذر المنافقون أن تنّزل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم، قل استهزءوا· إن الله مخرج ما تحذرون··" 64 - التوبة·