لماذا ترفض أغلبية الحكومات العربية إقامة جمعيات وطنية لحقوق الإنسان على أراضيها، أسوة بجمعيات النفع العام الأخري·
سؤال له أكثر من إجابة لدى بعض الحكومات الرافضة، أما البعض الآخر منها فإنه يقدم إجابات دبلوماسية، خارجها يلمع وداخلها يعلوه الصدأ، لكن مهما تعددت الإجابات والأعذار تجاه هذا المطلب فإن الأمر يبقى مجرد كذبة كبيرة، يتبين منها أن كل الردود تجافي الحقيقة والمنطق·
كما أن بعض الحكومات العربية لا تقبل قيام جمعيات لحقوق الإنسان على ترابها الوطني، لأنها تخشى أن تكون مصدر إزعاج وتشويش لها، سواء في الداخل أم في المحافل الدولية، وهي تعتقد بأن قيام مثل تلك الجمعيات على أراضيها، قد يسفر عنه تدخل في شؤون الدولة مما يسبب لها إحراجا وصداعا، من جراء قيام تلك الجمعيات بمراقبة إجراءاتها العقابية ومحتجزيها وسجنائها·
وكما يعلم الجميع فإن أغلبية الحكومات العربية كلما حسست على رأسها وجدت عليه ريشة تتعارض مع حقوق الإنسان، فهي بالتالي لديها أزمة ثقة دائمة بينها وبين شعوبها، مما يجعلها أمام خيارين: إما أنها تعلن قبولها بتأسيس جمعيات حقوق الإنسان، أو أنها تجعل الريش يعشش فوق رأسها·
وإذا استمرت على رفضها لقيام جمعيات حقوق إنسان، فإن هذا الإجراء بحد ذاته يعتبر تعدياً على حق من أهم حقوق الإنسان، وعلى الرغم أن كل الدساتير العربية تنادي بحرية التعبير، إلا أن بعض الحكومات تنسى أن التعبير المنظم خيراً لها من التعبير العشوائي الذي يعمل تحت الأرض·
إن بعض الحكومات العربية إذا سمحت لبعض الناشطين بتكوين جمعيات لحقوق الإنسان، فأنها بالتالي لا تستطيع منع أعضاء هذه الجمعيات من القيام بزيارات رسمية إلى المؤسسات الإصلاحية والسجون وغيرها من مراكز تنفيذ الأحكام، لترى إن كانت حقوق الإنسان مصانة فيها أم لا، وإذا اكتشفت الجمعيات أن هناك تعديات على حقوق الإنسان فإن أقصى ما ستفعله هو كتابة تقرير إلى الجهات المعنية في الحكومة، فإذا أخذت الحكومة بذلك كان خيرا وبركة وإن تمادت لجأت الجمعية إلى القنوات الدولية، وهذا كل ما في الأمر·
لكن هناك حكومات لديها حساسية شديدة تدفعها بالتمادي نحو كراهيتها لجمعيات حقوق الإنسان، اعتقاداً منها بأن هذه الجمعيات تتدخل في شؤونها وتقلص من سلطتها وهيبتها - وبالطبع - هذا تفسير خاطئ جدا· |