Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15-21 ذي القعدة 1419هـ - 3 - 9 مارس 1999
العدد 1367

متى ستتفهم الحكومة طبيعة النظام؟
ياسر الحبيب

كان متوقعا منذ نشوب الأزمة السياسية الأخيرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إثر صفقة المدفع الأمريكي وتداعياتها محل الجدل، أن تتهور الحكومة كعادتها متجاوزة حدودها الدستورية وتلوح من جديد بحل مجلس الأمة·

فتاريخنا السياسي لم يخل في وقت من الأوقات من مثل هذا التهور، ولا تكاد أزمة تخلق بين البرلمان والحكومة حتى تلجأ الأخيرة الى التهديد والوعيد اللذين يأتيان في كثير من الأحيان بشكل سافر يمس هيبة النظام ويقوّض دعائم الديمقراطية·

وعلى رغم أن الأزمة الأخيرة قد اتجهت الى التسوية، وعدلت الحكومة عن خيار الحل بعدما عقدت جلستين بمجلس الوزراء ولمجلس الأسرة بحثت فيهما كل الخيارات وقررت المضي نحو التهدئة، إلا أن من المهم تسجيل بضع من الملاحظات والانطباعات علها تحلل السلوك الحكومي الذي سبق أن أشرنا الى أنه شبه دائم كلما تجدد خلاف بين السلطتين·

إن الحكومة على ما يبدو غير مدركة لطبيعة نظام الحكم الدستوري في البلاد، وما دفُعها الأمور دوما باتجاه التصعيد السياسي على البرلمان إلا دليل على أن  هذا لا يقبل الرد، لأنه ما من مسوغ آخر للسلوك الوزاري الذي ينم عن جهل بأبجديات الديمقراطية وهي السمة الأساسية لنظامها الدستوري· فالمشاركة الشعبية في الحكم أزلية لا يجوز توقيفها أو تجاهلها، وهذه المشاركة تتم من خلال سلطة هي أعلى السلطات السيادية، انطلاقا من المادة السادسة في الدستور التي تنص على أن: "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا"·

وإذا ما كانت المشاركة الشعبية في الحكم هي الأساس وهي الجوهر، فإن السلطة التنفيذية حسب موقعها ودورها الدستوري لا تتجاوز كونها جهازا يترجم المطالب الشعبية الى سياسات وقرارات ومشاريع·· وهذه الترجمة تحتاج الى جهاز يحوز بطبيعة الحال على ثقة الشعب والبرلمان متمتعا بالتأييد والشرعية·

ويفترض أن يكون طريق المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار من خلال مجلس منتخب لا دخل للسلطة فيه ولا تأثير، بدءا من تزوير الانتخابات وحتى تقديم الإغراءات المصلحية للكتل النيابية، فذلك يضعف من قوة البرلمان ويفرغه من محتواه ويسلب منه إرادته، وهو ما يعني أن ثقة الشعب التي أولاها لمن يشرع ويراقب ويحاسب قد انتفت·

والفاحص لمواد الدستور لا بد أن يقف على حقيقة مهمة، وهي أن روح الدستور تفترض في التشكيلات الوزارية أن تعبر عن توجهات الكتلة البرلمانية الأبرز، بل نذهب الى اعتبار أن من الضروري أن تحوي الحكومة أكبر عدد ممكن من عناصر هذه الكتلة من النواب، فالدستور يقرر أن الحكومة تتشكل من "نواب مجلس الأمة ومن غيرهم"، ويلاحظ في النص تقديمه النواب على الغير وهو ما يعني أن الحكومة يجب أن تضم أكثرية نيابية تنسجم مع توجهات الفئة السياسية الغالبة على البرلمان، وذلك هو ما تقتضيه طبيعة النظام البرلماني كما يقرره علماء الفقه الدستوري·

كما يلاحظ من قراءة سريعة لمواد الدستور، أنه جعل الإرادة الشعبية فوق كل إرادة عندما رتب السلطات، فأتى أولا بذكر باب السلطة التشريعية ثم التنفيذية ثم القضائية، وما هذا النسق إلا دليل على أن النظام إنما يقوم على اعتبار تلبيته للمطالب الشعبية وذاك هو مدخله لنيل الشرعية الدستورية·

ومما يعنيه ذلك في جملة ما يعنيه أن الحكومة أدنى سلطة من البرلمان، وهي في واقع الحال مؤتمرة بأمره إذ لا تملك الوقوف ضد الإرادة الشعبية إطلاقا، لأن ذلك يعني تجاوزا لدورها المناط بها دستوريا·

هذه هي سمات الحكومة كما قررها الدستور، وهذا هو دورها بإيجاز شديد، فهل يا ترى تدرك الحكومة الحالية ذلك؟ وهل تنضبط بضوابط ما قرره الدستور بشأنها؟

والإجابة معروفة مسبقا لكل صاحب بصيرة، فلا الحكومة مدركة لطبيعة نظام الحكم الدستوري ولا هي متفهمة لأبعاد دورها المطلوب منها، فهي ترى نفسها فوق كل شيء وتعتبر أن من يجاهر بمعارضتها - وإن كان البرلمان الذي هو أعلى سلطة منها - خارج على النظام مستحق للمعاقبة والتأديب!

وتظهر هذه الحقيقة جليا في الأزمات السياسية المتكررة التي توجدها السلطة التنفيذية، فكل هذه الأزمات يعود سبب نشوئها الى التصعيد الحكومي الذي يأتي على خلفية نزعة غير مؤمنة بالديمقراطية والدستور، وما هذا بغريب على تشكيلة وزارية ينحصر قرارها في شخص واحد·

فإرادة الحكومة - عندها - فوق إرادة الشعب والبرلمان، وإلا فكيف نفسر إصرارها غير مرة على قرار ما أو توجه معين حتى وإن كان على النقيض من الإرادة الشعبية؟

فقضية مثل قضية النهب المنظم للمال العام ليس فيها مجال للمحاكمة السياسية أو المماطلة المتعمدة، فكل المواطنين يتطلعون الى اليوم الذي يقتصون فيه من خونة هذا البلد ممن انعدمت ضمائرهم وامتدت أياديهم النجسة الى ثروات الأجيال، ومع هذا فالحكومة مارست شتى أساليب المراوغة والتسويف درءا لإحالة متهم واحد الى النيابة!! وهذا هو التحدي لإرادة الشعب بعينه·

ما يريده الشعب هو تطبيق القانون وتحقيق العدالة وضمان الحريات وكفالة الحقوق·· ما يريده الشعب هو صون المكتسبات الدستورية واحترام مبدأ ديمقراطية الحكم كنظام ومقياس ومسار لا رجعة عنه·· ما يريده الشعب هو محاسبة اللصوص والمتنفذين وأرباب المصلحة والمال من المنتفعين على حساب الوطن·· ما يريده الشعب هو ضمان مستقبل أجياله، والتخطيط السليم والرؤية الاستراتيجية·· ما يريده الشعب هو الإحساس بأن هذا الوطن لا يسير في اتجاه التخلف والظلام·· فهل لبت الحكومة ما يريده الشعب يا ترى؟!

إن صفقة المدفع الأمريكي المثارة حاليا ليست إلا حلقة جديدة من مسلسل قديم لن ينتهي ما دام هذا هو النهج في تحدي الإرادة الشعبية والتجاوز على الدستور الذي أشرنا الى أنه قرّر النزول الى رأي الشعب لا مواجهته كما تفعل اليوم·

حيث إن الشبهات تحوم حول هذه الصفقة المشؤومة، وكما يقول المثل الشعبي "لا دخان من دون نار"، وقد أكد ديوان المحاسبة هذه الشبهات التي تثبت أن ما وراء هذه الصفقة ليس هو تسليح الجيش الكويتي، بل الغاية شراء الود السياسي الأمريكي بإهدار مزيد من الأموال العامة على رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد· على أن شراء الود السياسي أسلوب عفا عليه الزمن، وهو ينم عن عقلية تجهل آليات العمل السياسي المتحضر، فضمان أمن البلاد يتوجب أن تحققه الحكومة من خلال استعادة الكويت لمركزها التجاري والاستثماري العالمي، والذي بدوره سيخلق مصالح شتى بينها وبين الدول الكبرى وهو ما فيه ضمان لأمن المستقبل·

بيد أن الحكومة تصر على أسلوبها غير المجدي، وتتحدى إرادة الشعب والبرلمان، وتهدد هذا الأخير بالحل وكأنما ذلك من ضمن سلطاتها، لا حقا لسمو الأمير وحده!

وعوضا عن نزولها لقرار ممثلي الشعب ونوابه، تتخلف عن حضور جلسة مجلس الأمة ضاربة التزاماتها الدستورية بعرض الحائط، ثم تعقد الاجتماعات الوزارية الطارئة ·

إن هذا المسلك يوضح مدى عدم قناعة الحكومة بالديمقراطية ومدى تجاوزها لحدودها الدستورية المرسومة، وذلك يرجع الى طبيعة تشكلها حيث لا مراعاة لتجديد الدماء أو الأكثرية النيابية أو حتى عنصر التجانس المطلوب لإنجاح أي عمل جمعي·

ترى·· متى ستتفهم الحكومة دورها الدستوري المطلوب منها، ومتى ستتفهم أنها واقعة تحت تصرف البرلمان لا العكس، ومتى ستتفهم أن واجبها ينحصر في ترجمة المطالب الشعبية الى سياسات وقرارات ومشاريع، ومتى ستتفهم أن الشعب هو من يحاسبها لا العكس، والأهم من كل ذلك هو متى ستتفهم طبيعة نظام الدولة الديمقراطي؟!

··· ربما عندما تكون الحكومة هي الحكومة الفعلية!

�����
   

الألفية الثالثة:
محمد مساعد الصالح
..أهي تنظيمات عسكرية؟!:
مسلم صريح
الخليج والبحث عن الاستقرار:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
رسالة إلى ماما مادلين:
د.مصطفى عباس معرفي
"هلا فبراير" وغياب المشاركة الشعبية فيه:
يحيى الربيعان
عبدالله أوجلان:
إسحق الشيخ يعقوب
محنة الأيديولوجية!:
عامر ذياب التميمي
جودة الاستثمار:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
النقابة.. البرلمان الأصغر!!:
سعاد المعجل
تناقضات(الحلقة السابعة):
محمد سلمان غانم
متى ستتفهم الحكومة طبيعة النظام؟:
ياسر الحبيب
الحل قادم.. ثانية:
أنور الرشيد
نهاية أسطورة الظلاميين...!:
حسن علي كرم
لجنة تطبيق الشريعة ومشروع النظام التربوي!!!:
فوزية أبل