منذ مدة كنت حريصا على قراءة كتاب "إيران والخليج والبحث عن الاستقرار" لأهمية موضوعه ولأنه صادر من جهة خليجية هي "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ولكني وبعد أن سنحت لي الفرصة لمطالعته صدمت به لأسباب عدة:

بحوث الكتاب أعدها كتّاب إيرانيون يعيشون في الولايات المتحدة ويدرسون في جامعاتها ومن الواضح أنهم تأثروا كثيرا بالنظرة الأمريكية لإيران أو أنهم يحاولون مجاراتها في كتاباتهم واقتصر الكتاب على هذا النوع من التحليل من دون إشراك أصحاب الرأي الآخر، وبذلك جاء الكتاب أحادي النظرة في بحوثه كافة تقريبا·

ومن يقرأ الكتاب يلحظ عدم الإنصاف وتبني وجهات النظر الغربية المعروفة والمكررة تجاه إيران، وأغلب ما في الكتاب الصادر عام 1996 قد أثبت الواقع وبعد ثلاث سنوات خطأه خصوصا بعد تحسن العلاقات الإيرانية مع دول الخليج وأوروبا وبعد أن نجحت إيران في عقد مؤتمر منظمة الدول الإسلامية في عاصمتها، وبالتالي فإن تحليلات الكتاب واستنتاجات كتّابه كانت تصب في عكس الاتجاه تماما، وهنا تذكرت المصطلح الإيراني والذي ينعتون فيه أمثال هؤلاء الكتّاب الإيرانيين الذين يعيشون في الغرب بـ"غرب زده" أي الملوثين بالأفكار الغربية أو المتأثرين بالغرب، وخصوصا إذا كان المتأثر بالغرب شديد التحامل على بلده السابق وبطريقة غير علمية·

وهنا لا بد من دعوة مركز الإمارات للدراسات كي يعتمد في دراسة المنطقة على أبنائها المتواجدين فيها حيث هناك العديد من الجامعات الخليجية والتي يمكن الاستعانة بأساتذتها في الكتابة حول الخليج وعدم الركون الى عقدة الغربي أو من يرددون الاستنتاجات الغربية· ولعل أبرز مثال هو موقف الولايات المتحدة من إيران بالنسبة لموقفها من عملية السلام مع اليهود وهو موقف تشاركها فيه الشعوب العربية والإسلامية كافة، وما رفض الشعب المصري على سبيل المثال للتطبيع مع إسرائيل بعد ما يقارب ربع قرن من اتفاقية كامب ديفيد إلا مثال صارخ لذلك، وبالتالي فإن عداء أمريكا لإيران بسبب التطبيع لا معنى له وغير مبرر، وعليه فإن تكرار هذا القول من الكتاب الأمريكيين من أصل إيراني إذا صب في هذا المنحى يكون مستهجنا·

كما أن صدور القرار السياسي الإيراني من خلال مؤسسات دستورية منتخبة وإن شابها بعض الخلل أحيانا إلا أنه يمثل حالة صحية في الجسم الإيراني يجب أن يشاد بها وذلك عكس ما سطرته بحوث الكتاب والتي غمزت ولمزت في بعض الجوانب هنا وهناك بطريقة لا تمت الى البحث العلمي بصلة·

وبعكس إصدارات المركز الأخرى نجد هذا الإصدار قد فقد قيمته العلمية بانحيازه الكامل الى طرف من دون طرف وإلى اتجاه من دون الآخر ولم يملك التوازن العلمي الذي هو ديدن البحوث الخلاقة·