Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15-21 ذي القعدة 1419هـ - 3 - 9 مارس 1999
العدد 1367

تناقضات(الحلقة السابعة)
محمد سلمان غانم

التنظيم والفوضى: -

إن تقدم العلم والمعرفة ، بلا حدود ، وتطور وسائل الإنتاج بشكل عاصف هو أبرز سمات المرحلة الراهنة من عمر الرأسمالية، ويصاحب هذه الحالة، الاتجاه في كل مؤسسة ومنشأة إلى التخطيط الدقيق والمحكم· ويجري صياغة خطط وبرامج للفترة القصيرة تمتد على مدى سنة عادة، وخطط للفترة الطويلة على مدى خمس سنوات أو عشر أو عشرين سنة، بل وحتى رسم أفق لخمسين سنة مقبلة في بعض الجوانب الأساسية·

إن العالم يديره الآن سلاطنة رأس المال، والتي أخذت تطغى على الدول والشعوب· فهذه الاحتكارات الجبارة والمؤسسات الإنتاجية العملاقة تنتج كميات مهولة من شتى أنواع السلع والخدمات، والدخول التي تتولد في المؤسسات الكبيرة تعادل الناتج القومي الإجمالي لبعض الدول، وفي كل دولة رأسمالية، نجد أن ما بين 5 ــ 7 شركات عظمى تساهم بإنتاج 90 في المئة من الدخل القومي·

ويشمل التخطيط والتنظيم المبرمج إمكانات توسع الإنتاج، وتقديرات الأيدي العاملة وأسواق المواد وتصريف الإنتاج، إلا أن أبرز الخطط هي التي تتعلق بالتنمية والتطوير لوسائل الإنتاج وتحقيق التقدم العلمي المنشود، وحل المشكلات والمعضلات المستعصية في صراع الإنسان مع الطبيعة، وصراع الإنسان مع الإنسان وتخضع الاكتشافات العلمية للبرمجة الدقيقة، ويتعاظم طابعها الجماعي من الاختراعات والمبادرات الفردية ، أو الاعتماد على الصدفة، ولكن إلى جانب هذه الخطط والبرامج والسيناريوهات، يشتد ويتعمق الصراع التنافسي والتسابق بين الاحتكارات والتروستات الكبرى، كما يمتد إلى الوحدات الإنتاجية الصغرى والوسطى، إن التزاحم والصراع يشتد بين جبابرة المال "في حرب الجميع ضد الجميع" وهو ما يؤول إلى فوضى الإنتاج على النطاق الاقتصادي والاجتماعي القومي·· وهنا يبرز التناقض بين تنظيم الإنتاج داخل الوحدات الإنتاجية، وبدقة عالية، وبين فوضى الإنتاج والعمل في المجتمع بأسره· إن العمل منظم ومحدد ومخطط في كل مؤسسة رأسمالية على حدة، في حين تسود الاضطرابات والتقلبات، وعدم الاستقرار على المستوى الاجتماعي والقومي، وهكذا تظهر علاقات الاحتكارات، وفي الوقت نفسه تزاحمها وتكالبها في سبيل تحقيق أقصى الأرباح، يقول لينين:

إن الرأسمالي ينظم العمل داخل المصنع من أجل الاضطهاد التالي للعامل، من أجل زيادة ربحه منه، أما في نطاق الإنتاج الاجتماعي فتبقى الفوضى وتزداد، هذه الفوضى المؤدية إلى الأزمات، عندما لا تجد الثروات المتراكمة مشترين، في حين يهلك ملايين العمل، ويفتك بهم الجوع، وقد امتنع عليهم العمل·

ويسيطر عتاة الرأسماليين على جهاز الدولة، ويملكون الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى، ويعبثون بمقدرات المجتمع ومصائر الناس ويلجأون إلى الاحتيالات المالية والتهرب من الضرائب والظلم والتعسف محل المنافسة والتسابق وإنصاف العامل، كما تسيطر المؤسسات الاحتكارية الكبرى على الوحدات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وخصوصا في المناطق الضعيفة اقتصاديا، محليا أو عالميا، وتجعلها تابعة لنشاطها المحكم والشامل، أو تنهار وتصفّى وتذهب مع الريح، ومع العطالة والفقر والاضطهاد وربما الجوع·· ويتوسع الإنتاج بدافع الربح، وتقوم باستمرار فروع ووحدات إنتاجية جديدة، وتتهدم وحدات قائمة، من دون مراعاة للخير العام، ويختل التناسب والتناسق بين الوحدات الاقتصادية المستقلة وينشل نظام السوق القائم على أساس العرض والطلب، ويقود ذلك إلى عدم القدرة على تصريف كامل المنتج الاجتماعي·

ويمكن أن نشير هنا إلى الوضع العام في الدول المتأخرة، ففي هذه الدول يتولد جزء كبير من الدخل القومي في القطاع الحكومي، أما القطاع الخاص فهو ضعيف ومتأخر، ولذلك سعت هذه الدول، بعد أن نالت استقلالها إلى التخطيط وبناء قاعدة صناعية وإنتاجية، والقيام بالإصلاح الزراعي والقضاء على الإقطاع ، إلا أن الرأسمالية الامبريالية واتباعها من اقطاعيين، وبرجوازييين طفيليين استطاعوا أن يجهضوا الاقتصاديات المخططة· ويفرضوا نظام السوق الحرة·· ويعمل صندوق النقد الدولي، باعتباره وكيل رأس المال الاحتكاري العالمي على تعميم  الرأسمالية وتعميق التابعية وإجبار هذه الدول للأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادي والتخلي عن التخطيط، وهم في الحقيقة يستهدفون ترحيل وانسياب رؤوس الأموال الخاصة من الدول المتأخرة إلى الغرب الرأسمالي، ثم يعودون ويقدمونها ديونا لتلك الدول نفسها، لقد استطاعت القوى الامبريالتية بالفعل على إجهاز التجارب الاشتراكية، وغدا الوضع في تلك الدول فرديا· فلا تخطيط على مستوى الاقتصاد القومي ولا تخطيط على مستوى الوحدات الاقتصادية الخاصة، لكونها ضيقة وخدمية في الغالب، ولذلك يسود هذه الدول تخبط وفوضى مضاعفة، وهي في الحقيقة فوضى مخططة تلبي مصالح الامبريالية ـ الإمبريالتية·· ولذلك تتعقد المشكلات إلى أبعد مما هو عليه في الدول الصناعية المتطورة فضلا عن الأزمات المستوردة من العالم الرأسمالي·

أما الإسلام فيدعو إلى تنظيم الحياة الاجتماعية لتحقيق وإنجاز رسالة الإسلام وهي عمار حياة الناس ماديا وروحيا· ولذلك يجب أن يخضع نشاط الإنسان للتخطيط والتنظيم والتوجيه في ضوء الغايات الإلهية الواردة في الكتب السماوية وخصوصا القرآن الكريم، لخلق حياة سعيدة للجنس البشري، والقضاء على الاستغلال ، واستخدام واستثمار أسباب الرزق "القوى المنتجة" استخداما رشيدا ومحكما بحيث تلبي إشباع حاجات الأفراد من السلع والخدمات بما في ذلك حاجاته الثقافية والترفيهية·

وقد نبّهنا القرآن الكريم في سورة يوسف إلى أهمية التنظيم المالي والاقتصادي لمواجهة الكوارث والنكبات والاستعداد لها مسبقا بالتخطيط والبرمجة، وأن تلبي الخطة سد حاجات الفقراء والمسحوتين لا بالصدقة والإحسان، وإنما بتوفير العمل المنتج والصالح، كما يقول المثل الصيني "لا تعط الفقير سمكا وإنما علمه كيف يصطاد السمك" أما الزكاة والصدقات فينبغي توجيهها لسد حاجات غير القادرين على العمل من المعاقين والعجزة والأيتام، وأن يكون من أهداف الخطط الاقتصادية: القضاء على الفقر والجهل والمرض وخلق حياة هانئة تغني وتثري الشخصية الإنسانية بالقيم والنعم والإيمان·

قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها" 34 - إبراهيم ـ وهي كافية لتحقيق حياة كريمة للجماعة المسلمة أو الشعب أو الأمة، والمطلوب فقط ترشيد وتخطيط على أساس المصلحة الجماعية·

�����
   

الألفية الثالثة:
محمد مساعد الصالح
..أهي تنظيمات عسكرية؟!:
مسلم صريح
الخليج والبحث عن الاستقرار:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
رسالة إلى ماما مادلين:
د.مصطفى عباس معرفي
"هلا فبراير" وغياب المشاركة الشعبية فيه:
يحيى الربيعان
عبدالله أوجلان:
إسحق الشيخ يعقوب
محنة الأيديولوجية!:
عامر ذياب التميمي
جودة الاستثمار:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
النقابة.. البرلمان الأصغر!!:
سعاد المعجل
تناقضات(الحلقة السابعة):
محمد سلمان غانم
متى ستتفهم الحكومة طبيعة النظام؟:
ياسر الحبيب
الحل قادم.. ثانية:
أنور الرشيد
نهاية أسطورة الظلاميين...!:
حسن علي كرم
لجنة تطبيق الشريعة ومشروع النظام التربوي!!!:
فوزية أبل