المرة الأولى التي أرى فيها السيد جاسم الخرافي - رئىس مجلس الأمة - وجها لوجه كانت في حفل افتتاح المعرض التشكيلي للفنانين العراقيين في جمعية الفنون التشكيلية وبالرغم من أن والدتي قدمتني له على أنني "دائما زعلانة" على حد تعبيرها، إلا أن السيد جاسم سارع بالوقوف مادا يده ببشاشة طالما سمعت عنها، مرحبا ومتسائلا عن سبب الزعل، والدتي تبرعت للمرة الثانية وأخبرته أنه "الموضوع إياه الحقوق السياسية المهضومة" وقد استمر حوارنا بعد ذلك لمدة ثانيتين وتكوّن من جملتين قالهما هو ومحاولتي رد حاولتهما أنا ولم تكللا بالنجاح والحق أقول إن السيد جاسم التفت إلي لإعطائي فرصة للرد إلا أن ازدحام الناس حولنا وتكالبهم عليه جعل مهمتي بالكلام صعبة ومهمته بالاستماع أصعب، فقررت أن أحادثه عبر ورق الجرائد من باب قول ما احتبس في الحلق مسببا لي التهابات نفسية حادة·

وقد كانت أولى جمل السيد جاسم لي هي "يجب أن تعملن من أجل هذا الحق، لن يعطيه لكنّ أحد ولكن عليكن أنتن أن تأخذنه"· لست أدري مدى علم السيد جاسم بنشاطاتنا وعملنا والذي غالبا ما يحبط ويعاق من الجهة نفسها التي يترأسها هو فأنا في الواقع - ومثلي كل النساء المكافحات في هذا المجال - مؤمنة بأن الحصول على الحق أو استعادته يجب أن يكون بنضال صاحبه أو صاحبته، ولم أكن أبدا من الواقفين في الصفوف الخلفية بانتظار من يمد يده لي بحقي، كنت دائما أمد يدي لآخذه حيثما كان، ولكن هل يجب على كل امرأة في الكويت أن تخرج صائحة معلنة أنها تريد حقها حتى تحصل عليه؟ الحق حق سواء أراد صاحبه أو صاحبته استعماله أو إهماله، والواقع أن المسألة محسومة دون داع لعراك فلمَ النقاش والشد والجذب؟ وكانت ثاني جمل السيد جاسم هي "النضال ليس موسميا" في محاولة منه للتأكيد على أهمية مواصلة العمل للحصول على الحق، وأنا أقول للسيد جاسم إن الدستور ليس موسميا كذلك·· الدستور ليس موسميا فليس هناك وقت مناسب ووقت غير مناسب لصاحب حق كي يمارس حقه· إن منع الحق عن صاحبه من شأنه أن يزرع مرارة وغضبا شديدين في النفس فيقلل من شعور الشخص بإنسانيته ويشعره بدونية تمنعه من مواصلة العطاء إن ما أقوله الآن هو ليس محاولة "لشحذ" حقي كمواطنة الآن بل هو صورة من صور "النضال" الذي يشجعني عليه السيد الخرافي ولكن الإحباط غالبا ما يصاحب محاولات النضال التي نقوم بها من أجل ممارستنا لحقوقنا فأنا لا أعتقد أن السيد الخرافي يقصد "بالنضال" أن نشن هجوما مسلحا على مجلس الأمة، أو أن نتعارك بالأيدي مع نوابنا الأفاضل أعتقد أن السيد الخرافي يريد بكلمته النضال الفكري، والحوار ومحاولات التنوير، وعدم الكف عن التذكير بالحق، وممارسة جميع النشاطات المطالبة بإلحاح وبكل الطرق القانونية، الدستورية، الثقافية، الكلامية، الفنية، وغيرها بإعطاء صاحب وصاحبة الحق حقها ولكن ياسيد جاسم كيف تدعونا "للنضال" وتبشرنا خيرا وتصور لنا تفاؤلا إذا كان نيّرو الفكر الذين يحضوننا على "النضال" ويدعوننا لعدم اليأس يصوتون هم ضد هذا الحق؟ كيف لي أن أضع كلماتك جنبا لجنب مع موقفك السياسي؟ ثم كيف آمل بخير إذا كان شخص بتوجهك الفكري ونصائحك المتفائلة قد اتخذ هذا المنحى؟ أهناك أمل إذن بإصلاح فكري إذا كان صاحب فكرة الإصلاح الفكري قد صوت ضد الفكرة؟ أسيجدي "النضال"، الموسمي أو غير الموسمي، إذا ما أعاقه ديمقراطيو البلد؟ لم أكن يوما من اليائسات، وكلما استعصى الهدف زادني عزما ولكن انقلاب الموازين وتضارب الأفكار والأفعال يغيم الجو ويضبب الطريق· أنتطلع لمواقف مستقبلية تقشع الغمامة ياسيد جاسم وتضيء الطريق؟!·