فيما أظهر استطلاع للرأي أن الغالبية العظمى من العراقيين يعتبرون جنود التحالف جنودا محتلين سيكون العراق في وضع أفضل في حال رحيلهم، عارض غالبيتهم رحيلهم الفوري قبل إجراء الانتخابات العامة، ولعل هذا التردد في مطالبة غالبية الشعب العراقي في الرحيل الفوري لقوات الاحتلال قبل أن تستكمل السلطة الجديدة كامل قوتها وتكون قادرة على الوقوف على أرجلها، هو ذلك الهاجس من قيام حرب أهلية تؤدي الى تقسيم العراق أو على أقل الاحتمالات عودة ما يشبه النظام السابق، ولعل ما جرى من مظاهرات عشائرية في بغداد أخيرا، تطالب بالثأر والقصاص لستة من عشيرة ربيعة الشيعية ذبحوا ذبحا في الفلوجة على يد أصوليين من السنة، أقول لعل هذه الحادثة التي استنكرتها أعلى السلطات لحساسيتها، تبين لنا دقة ما يمر به العراق فيما يخص العلاقة بين مكوناته المجتمعية، فبنية السلطة في المجتمع العراقي قد تغيرت أو هي مازالت في طور التشكل، بكل ما يعني ذلك من صراع على توزيع القوة والنفوذ والجاه والسلطة على أطرافه المختلفة·
وأخشى ما يخشاه المرء في ظل هذه الظروف المتوترة التي تزيدها توترا تلك العمليات الانتحارية التي تطال المواطن العادي في حياته وما يملك، أقول إن أخشى ما يخشاه الغيور على مصلحة العراق هو تقسيمه الى ثلاث دويلات، وهذه الفكرة أصبحت متداولة في أوساط الخبراء الاستراتيجيين، فها هو أحدهم - الكولونيل مايك تيرنر، وكان مساعدا للجنرال شوارزكوف في حرب الكويت - يكتب في النيوزويك 22/6/2004 تحت عنوان إعادة رسم الخريطة - يطالب بتقسيم العراق الى ثلاث دول بحجة أن مكوناته الاجتماعية لا يمكن أن تتعايش مع بعضها البعض في نظام ديمقراطي قائم على الانتخابات الحرة وحكم الأغلبية، وربما ما يساعد على مثل هذه الدعوات هو هذا التقسيم القائم على الأرض في التوزيع الجغرافي للشعب العراقي، حيث الأكراد في الشمال، والسنة العرب في الوسط والشيعة العرب في الجنوب، مع تداخلات طفيفة هنا وهناك غالبيتها في مدينة بغداد، والأكراد هم الأقرب الى تشكيل كيانهم، إذ استفادوا منذ 1991 من الحماية الجوية الأمريكية لمنطقتهم في زمن الحصار وشكلوا مؤسساتهم الحاكمة ومنها قوة عسكرية "البشمركة" يقدر عددها بين 75 ألفا الى 100 ألف مسلح·
إن وحدة العراق أساسية لرخاء شعبه الذي أنهكته الحروب والحصار وفوق هذا وذاك الحكم الاستبدادي الطويل، ووحدته تلك تعتمد على أبنائه ووعيهم في مرحلة التحولات هذه، ومدى مرونة قواه السياسية في الوصول الى حلول وسطى ترضي جميع الأطراف وتحقق الحد الأدنى من طموحاتها·
|