رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 جمادى الأخرى 1425هـ - 28 يوليو 2004
العدد 1638

السياحة والعرب!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

يتعامل العرب مع السياحة باتجاهين، هناك العرب الذين يبحثون عن السياحة والاستجمام في مختلف المواقع العربية والأجنبية، ومن جانب آخر هناك البلدان العربية التي تحاول أن تجذب السياح من مختلف البلدان العربية والأجنبية، لكن كيف يمكن أن تصبح السياحة العربية مصدرا أساسيا للدخل في البلدان التي تتمتع بعناصر الجذب وتتوافر فيها المواقع الأثرية والتاريخية والدينية، أو التي تدخر إمكانات الترفيه؟ هناك عوامل أساسية يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار حتى ينجح بلد ما في جذب السياح ويجعل من مدنه وقراه مزارات مستمرة للسياح، وقد تمكنت بلدان كثيرة في جذب سياح يفوقون في أعدادهم السنوية عدد السكان في تلك البلدان، ويمكن أن أذكر من هذه البلدان فرنسا وأسبانيا وإيطاليا واليونان، كما أن بلدا مثل الولايات المتحدة استطاعت أن تجعل الكثير من المدن مواقع جذب للسياحة الوطنية حيث يقوم الأمريكيون خلال عطلهم وإجازاتهم الدورية بزيارة تلك المدن وإنفاق أموال كبيرة على الإقامة في الفنادق أو زيارة المواقع السياحية وتناول الطعام في المطاعم وغير ذلك من خدمات ذات صلة بالنشاط السياحي·

إن من أهم عوامل الجذب السياحية قدرة الجهات الحكومية على تثقيف الموظفين والعناصر البشرية التي تتعامل مع السياح ببذل جهود كافية لجعل الزوار أو السياح قادرين على الإحساس بالارتياح منذ اللحظة الأولى لدخول البلاد، لا يمكن أن نتوقع أن يشعر السائح برغبة بزيارة البلاد عندما يشعر بالمهانة عند الوصول الى البلاد عبر المطارات أو الموانئ، أو أن يشعر بأن هناك ابتزازا من قبل الموظفين في مختلف المواقع سواء كانت تلك المواقع مراكز حدودية أو فنادق أو مطاعم أو أن يلقي معاملة مثيرة للاستهجان من سائقي سيارات التاكسي، وبتقديري أن العنصر البشري يظل هو الأهم في عملية تسويق السياحة، ولذلك فإن البلدان التي تريد أن تصبح مزارات سياحية ناجحة تبذل الأموال على التدريب والتثقيف بحيث يصبح الإنسان هو عنصر الجاذبية الأساسي، أي أن المسألة هي في أساسها تعتمد على فنون التعامل والتواصل مع الآخرين، وفي هذا المقام يجب أن أؤكد على أن السائح يريد أيضا أن يشعر بصدق المتعاملين وأمانتهم معه فهو لا يريد كلاما معسولا غير قابل للتحقيق بقدر ما يريد أن يحصل على معلومات حقيقة وصادقة·

هناك عنصر آخر مهم وهو عنصر التكلفة ففي هذا العصر الذي لم تعد السياحة تعتمد على الأثرياء وأصحاب الأموال الوفيرة وبات العمال وصغار الموظفين في مختلف المؤسسات في الكثير من البلدان يهتمون بقضاء وقت ممتع في أماكن بعيدة عن سكناهم، لذلك فإن هؤلاء، - وهم يشكلون أغلبية السياح - يريدون أن لا تكون تكاليف سفرهم وسياحتهم قاصمة لظهورهم وهكذا يصبح فن تسعير المرافق السياحية مهما وأساسيا، وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات الأخرى وأسعار السلع في الأسواق في المواسم السياحية، لكن الأسعار بحد ذاتها لا يكفي أن تكون جاذبة بقدر ما يكون التسعير المناسب مقترنا بالخدمات النوعية وتتسم بجودة ملائمة، إذا فإن المرافق لا بد أن تكون عصرية وتشمل كل الخدمات الأساسية وتتوافر من خلالها بيئة نظيفة وصحية، ويبدو أن هذه المتطلبات تجعل من المشروع السياحي غير ذي جدوى اقتصادية إذا علمنا أن التكاليف الرأسمالية، وأيضا، التشغيلية ليست هينة وقد دفعت هذه الحقائق الاقتصادية الى قيام بعض الدول بدعم المشاريع السياحية أو توفير تسهيلات ضريبية للمستثمرين أو منحهم قروضا ميسرة أو تمكينهم من الحصول على أراض بأسعار ملائمة، ويعتقد اقتصاديون متخصصون أن البلدان العربية لم تستطع حتى يومنا هذا السيطرة على عناصر التكاليف بما يمكن من جعل المشروع السياحي أمرا مجديا، قد يكون هذا التقويم صحيحا في الكثير من الأحوال عندما نرى الكثير من المشاريع يشكو من غياب الجدوى الاقتصادية·

قد يعتقد البعض أن السياح العرب يمكن لهم أن يجعلوا الكثير من المرافق السياحية في البلدان العربية مشاريع ناجحة لو أنهم اقتصروا في سفرهم وترحالهم على بلدان العرب، لكن ذلك تصور غير واقعي، حيث إن هؤلاء لن يستطيعوا أن يكونوا بدلاء للسياح الأجانب، إن الإحصاءات تؤكد أن السياح الأجانب يمثلون النسبة الأكبر من السياح الذين يزورون بلدانا مثل مصر والمغرب وتونس، وهي البلدان السياحية الأساسية في العالم العربي، هؤلاء الأجانب القادمون من أوروبا وأمريكا الشمالية يمثلون نسبة مهمة من السياح في العالم أجمع وليس في البلدان العربية فقط، يعني هذا أن الاهتمام بتوفير عناصر الراحة لهؤلاء تظل أساسية لضمان استمرار تدفقهم، ويمكن لبلد مثل لبنان أن يطور قدراته لجذب المزيد من السياح من خارج العالم العربي إذا تمكن من تطوير المرافق والتحكم في أسعار الخدمات السياحية، ولا يجب أن نضخم من ظاهرة السياح العرب فهم بالأساس يأتون من دول الخليج العربية ولا يمكن أن نتوقع تدفقا من السياح العرب من بلدان عربية أخرى نظرا لتواضع المستويات المعيشية في معظم البلدان العربية التي بالكاد تكفي لمواجهة المتطلبات الأساسية في الحياة، وربما يلعب هذا الواقع المعيشي الصعب دورا سلبيا ويعطل عملية تنمية السياحة، ويمكن أن أزعم بأن هذه المستويات المعيشية تدفع الكثير من العاملين الذين يتعاملون مع السياح لمحاولة كسب المال بطرق ملتوية منهم لتحسين ظروفهم·

لا ريب أن الإمكانات العربية لم تستغل بشكل مفيد في تطوير السياحة لكن يجب أن نؤكد على أهمية أن ننظر للأمر على أساس أنه جزء من قضية التنمية الاقتصادية والبشرية ولا يمكن معالجة الجاذبية بمعزل عن تلك القضية المحورية، وعندما ننظر للبلدان التي تتمتع فيها السياحة بالنجاح فإننا نجد شعوبها تتمتع بمستويات معيشية جيدة وترتقي بثقافتها وتعليمها كما أنها تعيش أحوالا سياحية منفتحة، كما أن البلدان المذكورة تعيش حالا من التناغم بين مختلف الجهات الرسمية ومؤسسات الأعمال والمنتجعات والمتاحف بما يعزز كل الجهود لإنجاح التسويق السياحي، وبتقدير أن الكثير من البلدان العربية مثل مصر ولبنان وسورية والأردن والمغرب وتونس تستطيع أن تبذل الجهود المناسبة للوصول الى ما وصل إليه الآخرون في مجال السياحة حتى لو استلزم الأمر زمنا معقولا لتهيئة كل العوامل الضرورية، إذاً لا يكفي وجود فنادق ومنتجعات وأسواق وآثار أو بنية تحتية مناسبة ولا بد من الاعتناء بالعناصر الأخرى ذات الصلة بالتنمية والارتقاء بحياة البشر·   

 

tameemi@taleea.com  

�����
   

عاداتنا وتقاليدنا:
سعود راشد العنزي
هل للحكومة خطة اقتصادية؟:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الإرهاب والإنحراف الديني:
د·أحمد سامي المنيس
حلقات الذكر وحلقات الفكر(6):
فهد راشد المطيري
الصدَّامية والصدَّاميون:
يحيى علامو
إليك أيها الفضولي:
عويشة القحطاني
السياحة والعرب!:
عامر ذياب التميمي
الإرهاب في بيوتنا:
د. محمد حسين اليوسفي
"إبراهيم خلف الله" شهيداً:
عبدالله عيسى الموسوي
اطلبوا الحل ولو في الكويت!:
ناصر يوسف العبدلي
المنطقة الوسطى:
عبدالخالق ملا جمعة
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل :
حميد المالكي
مغزى انتصار لاهاي:
رضي السماك