غرائب وعجائب نقرؤها ونسمعها ونعرف قائلها ولا يعرف إلا عدد قليل ماذا يريد من ورائها، بل هناك أشياء، لا بد لنا من وقفة أو وقفات تجاهها، ففي عالم مليء بالمتناقضات التي لا يخلو منها أي إنسان إلا من عصم، وكما تقر ذلك بحوث علم النفس، فلا غرابة أن يصبح المتطرفون دعاة اعتدال واتزان، منقلبين على تاريخهم الموثق، وأعمدة تنير الحكمة، فكلما زاد السخط على أشخاص التطرف وسلوكيات الغلو في كل مكان من العالم، برز رموز التطرف ذاتهم على أنهم سادة الاعتدال والاتزان والموضوعية، ويتجاهل مدعو الاعتدال كل أدبياتهم المكتوبة والمسموعة التي ما فتئت تسطر كل عائبة وشائنة للآخر وتقبيحه وازدرائه، هذه الحالة من السلوك المتناقض والمضطرب تؤكد أن الإنسان بالعموم في داخله نزعة فطرية نحو الوسطية والتعايش الإيجابي مع الآخرين، يتمناها دائما ويحاول التفاعل معها ذاتيا، ولكن ومن أجل إسقاطات معينة ومكاسب وقتية تجعله يستند الى "الحدية" ويلجأ للتجلد في مواجهة الآخر وممارسة الإرهاب حتى مع الأتباع إن تطلب الأمر، ولا يكتفي هذا النفر بذلك، بل يتهمون خصومهم بالتطرف ومجافاة الحقائق والانحراف كل ذلك حتى يثبتوا أنهم معتدلون، إذن فالمنطقة الوسطى يختارها الإنسان السوي سلوكيا وعقليا حتى يظل منسجما مع ما يستجد في المجتمع لأن المنطقة الوسطى هي التي تمنحه التوافق النفسي والعقلي فهي إحدى "الحيل" التي يلجأ إليها هذا النوع من البشر ليبقوا دائما في مقدمة القوم وفي الصدارة أبد الآبدين، فمن يحاسب؟ ومن يراقب؟ لأنه في الأصل قليل من يتحمل مسؤولية المتابعة، لذلك فإن مثل هذه "الحيل اللفظية" تنطلي على الكثيرين·
رشفة أخيرة
"لقد حول محمد العربي البسيط القبائل المتفرقة والجائعة الى مجتمع متماسك منظم امتاز فيما بعد بين شعوب الأرض بصفات وأخلاق عظيمة وجديدة، فقد استطاع في أقل من ثلاثين عاما أن يتغلب على الامبراطورية الرومانية ويقضي على ملوك إيران ويستولي على سورية وبلاد ما بين النهرين"·
(فقرة من مؤلفات العالم الإنجليزي جان ديرن يورث)
mullajuma@taleea.com |