يبدو أن الأمريكان قد اكتشفوا للتو أهمية الديمقراطية كنظام حكم عام صالح لجميع الشعوب، بمن فيهم الشعوب العربية والإسلامية· فقد قال السفير ريتشارد هاس، الذي يشغل حالياً منصب مدير هيئة تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأمريكية، في خطاب ألقاه في مجلس العلاقات الخارجية "إن الطريق إلى الديمقراطية طويلة لكنها تجلب المنافع للجميع"· وبالتالي، فإن تبنى "الديمقراطية في الدول ذات الأغلبية الإسلامية هي جيدة للشعوب التي تعيش هناك، لكنها أيضاً جيدة للولايات المتحدة"·
ويظهر هاس وكأنه طالب في المرحلة التمهيدية في الجامعة "فرشمن" وهو يقيم دعواه انطلاقاً من "نظرية الحق الطبيعي" التي تركز فيما تركز على أن للإنسان بما هو إنسان حقوقاً طبيعية مثل حق الحياة والحرية والعيش بأمن وأمان، مستذكراً فجأة جون لوك ومونتسكيو وفولتير وجان جاك رسو وإعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية!!
وفي صحوة ضمير نادرة من مسؤول أمريكي موجود في السلطة يقرر هاس أن حق شعوب كالشعوب الإسلامية والعربية في العيش تحت نظم حكم ديمقراطية لا يقل أهمية عن تلك الشعوب التي طالما تطوعت الولايات المتحدة للدفاع عنها مختارة كالشعب الهنغاري والتشيكوسلوفاكي والبولندي وربما القرقيزي!! أما لماذا سكتت الولايات المتحدة عن حقوق ومطالب الشعوب الأولى وانبرت للدفاع عن مطالب وحقوق الشعوب الأخرى، فإنها ضرورات الـ “Real Politik” فالحرب ضد المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي كانت تتطلب بناء جبهة مضادة لذاك المعسكر من جميع القوى المناوئة لها، وبالتالي لم يكن من الكياسة النظر في الأحوال الداخلية لهؤلاء الحلفاء·
إذن، ما ساد من منطق في السياسة الأمريكية أكثر من نصف قرن لم يكن مبنياً على مثل الثورة الأمريكية المستمدة أساساً من فلسفة عصر التنوير، بقدر ما كانت تنبني على فلسفة براغماتية شاعت في المجتمع الأمريكي: فكراً وسياسة!!
ترى، هل زوال المعسكر الاشتراكي هو الذي جعل صناع القرار الأمريكي ينظرون شيئاً فشيئاً إلى أوضاع حلفائهم الداخلية كيما يرتبوا بيوتهم وفقاً للمثل الأمريكية القائمة على الحرية والديمقراطية؟
لا يبدو ذلك من خطاب هاس، بل ما يبدو هو الضرورات العملية وعلى رأسها الحفاظ على المصالح الأمريكية، “فالحكومة التي يديرها قادة ترتكز سلطتهم - كما يقول هاس - على القوة وليس على سلطة ممنوحة من الشعب، تعرض للخطر قدرة هذه الحكومات على التعاون حول قضايا ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة"!!
على العموم، "ما فات مات" و"نحن أبناء اليوم" وما تتوق إليه شعوب المنطقة منذ مدة طويلة وتطالب به هو أن تلقى مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية بالاً من الولايات المتحدة خاصة وأنها الداعم القوي للأنظمة الاستبدادية في المنطقة!!
alyusefi@taleea.com |