من استمع للكلمة التي ألقاها رئيس وزراء العراق الدكتور إبراهيم الجعفري في الاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق الوطني العراقي المنعقد في مقر الجامعة العربية يرى البعد الحضاري لدى هذا الرجل حينما قال (··· نواجه الطلقة بالكلمة، ونواجه البندقية بالقلم··) فهو رئيس الوزراء العربي الذي استطاع أن يقول إننا حكومة منتخبة، لأن حكومته فعلا شرعية ومنتخبة بشكل قانوني دون تزوير أو قمع، وما يلفت انتباهي بكلمة الجعفري هو أنك لا بد أن تعجب بهذا الرجل وما يحمل من فكر، فهو يتكلم مرتجلا دون ورقة وكأنك تستمع لرئيس مخضرم أصبح له في السلطة عشرات السنين، وكأنك تستمع لفيلسوف هضم تجارب الحاضر والماضي وبلورها كمشروع لتطوير بلده والنهوض به ليكون بمقدمة الدول، فنحن نقول للجميع، انظروا كم هم مظلومون أمثال إبراهيم الجعفري في العالم الإسلامي، فهؤلاء كانوا مقموعين مغيبين مهمشين مبعدين طيلة الفترة السابقة من قبل الدكتاتوريات في العالم الإسلامي، ولم يسمح لهم بأن يبينوا عن قدراتهم الفكرية والعملية وما لديهم من مشاريع حضارية، وما إن سمحت الفرصة الديمقراطية في العراق لكي يأخذ كل ذي حق حقه حتى نجد هذه القدرات والعقول قد برزت من خلال صناديق الانتخابات واختيار الشعب لها، فالسؤال هو: كم من أمثال الجعفري في الدول الإسلامية لم يأخذوا فرصتهم بإبراز ما لديهم من أفكار وقدرات بسبب عدم إتاحة الفرصة لهم وعدم وجود القدرة على الاختيار الحر للقيادات في هذه الدول التي لم تعرف الديمقراطية واختيار قادتها منذ مئات السنين، فها نحن نرى بأم أعيننا عندما تكون هناك ديمقراطية حقيقية تجد أشخاصا من أمثال الجعفري يبرزون على الساحة، ولكن ما دامت حرية الاختيار غير موجودة فلن نستطيع أن نجد للكفاءات نصيبا من القيادة والإدارة لتقدم العالم الإسلامي، وسوف نبقى في نهاية الركب الحضاري ما دامت طبائع الشعوب في العالم الإسلامي متكيفة مع إلغاء العقل والكفاءة والفكر وسيطرة السفهاء على مقدرات الأمور بقبول غير مبرر من قبل العقل الجمعي للشعوب التي تبرمجه على ذلك طيلة قرون من سيطرة عقلية الغلبة وإلغاء عقلية التعددية وحرية الاختيار، فإذا كان الله عز وجل يأمرنا في كتابه الكريم: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) فكيف هي حالنا والسفهاء في العالم الإسلامي هم المسيطرون في كثير من البلدان على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية، وذلك لأننا تخلينا عن غصن الزيتون وقوة الكلمة والفكر والمنطق والعقل وتمسكنا بثقافة الجاهلية وسياسة الغلبة والعنف والبلطجة وفرض الرأي السفيه بقوة البندقية والقمع بغطاء ديني تارة وبغطاء القومية العربية ومحاربة الاستعمار تارة أخرى، فلكي نكون في مقدمة الأمم من جديد يجب أن نعود لمعادلة التقدم والتطور المنبثقة من قول الله عز وجل: "وبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب"· فأنا أتوقع للعراق الجديد أن يكون في مصاف الدول المتقدمة حضاريا ما دام قادته الجدد يواجهون الطلقة بالكلمة، ويواجهون البندقية بالقلم، ويحملون غصن الزيتون في مواجهة التحديات وأصبح الشعب العراقي يستمع للأقوال المتعددة فيتبع ويختار أحسنها من خلال صناديق الانتخابات، فهؤلاء بشرهم الله بالسعادة والحصول على الخير لأنهم يسيرون على سنن التطور والتقدم والسعادة التي وضعها الله لبني البشر، وسوف نرى من أمثال الجعفري من يبرزون في الكثير من الدول الإسلامية عندما تنتشر فيها الديمقراطية عن قريب من خلال وعي الشعوب بسنن التقدم والتطور وتخليها عن عقلية الغلبة وإلغاء الآخر·