رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 3 يوليو 2006
العدد 1735

شباب في مهب الريح
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

تشكل فئة الشباب في المجتمعات الإنسانية، ولا سيما في المجتمعات  التي تشق طريقها نحو مستقبلها بخطى حثيثة متفائلة، مركز الثقل ومحط الأمل، فهم الذين يعوّل عليهم في تأسيس بنية مجتمعية متينة، وفي تحقيق الرؤى التي يضعها أصحاب القرار الذين يوكل إليهم أمر التخطيط للمستقبل الواعد الآمن القوي· ولا شك أنّ الاهتمام بهذه الفئة والسعي إلى تهيئة مناخ مجتمعي صحي آمن تعيش فيه يعدّ من الأولويات المهمة التي يجب أن يتصدى لها أفراد المجتمع جميعا؛ لأنهم بذلك يعملون على حفظ هذه الثروة الغالية التي لا تقدر بثمن، والتي قد لا توازيها أي ثروة أخرى·

ونحن إذا تركنا العموميات ونظرنا نظرة محددة إلى فئة الشباب في مجتمعنا فإننا - بلا شك - سنرى أنّ هناك جهودا مخلصة تبذل من أجلها سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى المؤسسات، ولكن الأمر يبقى - رغم كل الجهود- بعيدا جدا عن المستوى الذي يشعرنا بالرضا والاطمئنان، ويحقق للشباب الشعور بالأمن والفهم والتقدير، فيجعلهم أفرادا يتمتعون بالقدر الملائم من الثقة والعلم والالتزام، ويتحلون بالقوة والصبر والجد والاجتهاد· فكثير من شبابنا يفتقدون الشعور بالأهمية، وليس لهم أهداف واضحة لأنفسهم أو لمجتمعهم، ولا يعنيهم كثيراً من القضايا التي تشغل المجتمع وتؤرق الناس· وكثير منهم يشعر بالضياع والفراغ وعدم الجدوى، وهم لا يجدون للأفكار التي تؤرقهم والمشكلات التي تقف في طريقهم صدى في نفوس الآخرين فيشعرون بالعزلة والوحدة والاغتراب·

وتشير كثير من الدراسات واستطلاعات الرأي إلى أن نسبة كبيرة من الشباب - خاصة في منطقة الخليج- تقضي معظم وقتها في مقاهي الشيشة والإنترنت، وفي مراكز التسوق، وأنها تفعل ذلك لقتل وقت الفراغ والتسلية· كما أنّ الصحف تطالعنا كل يوم بقصص محزنة عن عصابات من الشباب تظهر في صورة جماعات يسيرها منطق الغاب، فلا تملك لغة للتفاهم وإثبات الذات إلا الضرب والاعتداء على الآخر الذي قد يصل أحيانا إلى إزهاق الروح· وقد يكون الميل إلى العنف والتهجم على الآخرين بالشتم والسب والضرب الذي قد يطال أحيانا من هم أكبر من الشاب سنا وقدرا كالمعلمين وأمثالهم من أكثر الظواهر انتشارا بين هذه الفئة· وهناك ميل واضح - كما تشير الدراسات أيضا - عند نسبة كبيرة منهم إلى إتلاف الممتلكات العامة· وما زلت حتى اليوم أذكر كيف هالني خبر نُشِر منذ سنوات عن مجموعة من الأولاد في الصف السادس قاموا بإحراق ست حافلات مدرسية احتفالا بانتهاء العام الدراسي! وتعد ظاهرة إتلاف الكتب وتمزيقها في نهاية الامتحانات ظاهرة أخرى يعبر بها الشباب عن فرحهم بالتخلص من همّ الدراسة وعبء التعلم!

إن نزوع الشباب إلى مثل هذه السلوكيات يعبّر عن مشكلات حقيقية تحتاج أن يُلتفت إليها ويعتنى بها؛ بل يجب أن يكون ذلك على سلّم الأولويات في سياساتنا وخططنا المستقبلية، وإلا فإننا سنشارك- من حيث لا نعلم ولا نقصد- في إهدار ثروة عزّ أن يكون لها نظير أو بديل· ولا شك أنّ البداية الصحيحة تكون بمعرفة الأسباب التي تدفع الشاب إلى أن ينتهج هذا النهج، ويسير على درب البطالة واللامبالاة وانعدام الإحساس بالمسؤولية تجاه نفسه وأهله ووطنه· ولا شك أنّ أهم هذه الأسباب على الإطلاق يتمثل في الأسرة التي يقع على عاتقها مسؤولية الرعاية الأولى والتوجيه والاهتمام الحقيقي الذي يحتضن الأبناء ويحترمهم ويتفهم مشاعرهم وحاجاتهم، فتصبح بذلك ملاذهم ومردّهم، وتسهم -بما توفره لهم من حب وعناية- في تكوين شخصياتهم تكوينا سليما يقدّر الحياة والناس على اختلافهم، ويتحلى بالنضج والتفهم وتحمل المسؤولية، فيجد في أداء الواجب لذة ومتعة تحقق له الإحساس بذاته وتعمق تجربته وتنضج رؤيته، بحيث يغدو - بعد حين- مؤهلا تأهيلا حقيقيا أن يمسك بزمام حياته وينطلق بثقة وإيمان في الإسهام البنّاء الفاعل في خدمة مجتمعه وأهله وكل من حوله·

وهناك أسباب كثيرة أخرى نحتاج أن ننظر فيها وأن نخطط لتحسينها وتطويرها بحيث تصبح ملبية لحاجات الشباب، مستجيبة لمتطلبات هذه المرحلة الحرجة، فالمؤسسات التعليمية تحتاج أن تؤسس على رؤى علمية متينة تستند إلى الدراسات الكثيرة في هذا المجال، فتهيئ للشباب بيئة جاذبة تشمل المكان والنظام والبشر· وكذلك الجمعيات الشبابية المختلفة، تحتاج هي الأخرى إلى أن تتطور في أدائها وخططها وأنشطتها· إنّ الأمر يتجاوز الحماسة الفورية والنظرة الجزئية والخطط التي يعتريها الكثير من الجمود والارتجال والتكرار·

كثير من الناس يلقي اللوم في هذه القضية على الشاب نفسه، ويراه سببا من أسباب الفساد والضعف في المجتمع، ويدعو إلى اتخاذ تدابير حازمة - وأحيانا قاسية- لمعاقبة الشباب على أخطائهم الكثيرة التي قد تتجاوز أحيانا حدود المقبول والمعقول· ولا شك أنّ الحزم ضروري في كثير من مسائل التربية والتنشئة· ولكن ذلك لا يكفي، إنْ غضضنا الطرف عن الأسباب التي تدفع بالشباب إلى هذه المزالق الصعبة الخطيرة· قد تكون نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب الذين انحرفوا عن جادة الطريق فأصبحوا في نظر المجتمع مذنبين يستحقون العقاب ضحية من ضحايا الإهمال والقسوة وانعدام التقدير وسوء التربية· فلا يكفي إذن أن نعاقب الشاب على جرمه - وإن كان ذلك ضروريا أحيانا- بل يجب أن نسأل أنفسنا عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، وأن نتحلى بالشجاعة والصراحة في البحث عن إجابة صادقة تكشف لنا الحقائق وتقودنا إلى الحلول التي تتطلب منا جهودا كثيرة مضنية قد تطول وتمتد في الزمان· ولكنّ الأمر يستحق كل العناء والإخلاص والصبر والعمل· فلن يبنى هذا الوطن إلا على سواعد الشباب المخلص الأمين·

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

عندما تكلم الشعب إلى عامر الزهير:
شيخة الصانع
المرأة تعاقب مؤيديها:
المحامي نايف بدر العتيبي
نعم للنقد لا للتشويه:
د. فاطمة البريكي
الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير:
د. محمد عبدالله المطوع
"ودي أصدق هالنواب":
يوسف الكندري
ظاهرة عارف باشا والسنعوسي:
خالد عبد العزيز السعد
شباب في مهب الريح:
د. لطيفة النجار
ولادة استثنائية.. وتبعات مصيرية:
عويشة القحطاني
مِنْتي كفو..!:
عبدالرحمن خالد الحمود
إلى محمد العبدالجادر:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
انتخابات الوحدة الوطنية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
نو ..نو ..حدسو 4:
عبداللطيف الدعيج