رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 3 يوليو 2006
العدد 1735

نعم للنقد لا للتشويه
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

للنقد وجهان، يختار المتكلم أحدهما بحسب هدفه منه؛ فإذا كان يهدف إلى النصيحة، وتوضيح الصواب والخطأ، والكشف عن جوانب للموضوع لم ينتبه إليها الشخص المنتَقَد فهذا يندرج في الوجه الإيجابي للنقد الذي يُعرف بالنقد البنّاء·

أما إن كان الهدف من النقد هو الكشف عن العيوب والمساوئ، وبيان الزلات والهنات، والتشهير بفاعلها، فهذا يدخل في الوجه السلبي للنقد·

ولكل من هذين الوجهين طرق يتوسل بها المنتَقِد لإيصال رأيه إلى صاحب العلاقة؛ ففي الحالة الأولى يتوجّه الأول إلى الثاني مباشرة، ويخبره برأيه أو بانتقاده وجهًا لوجه· وفي الحالة الثانية يتوجه المنتَقِد إلى أي شخص آخر ليسكب في أذنيه عيوب المنتَقَد في غفلة منه، ودون أن يعرف ما يُقال عنه·

والأمر نفسه يُقال عن الدول؛ فإذا أراد شخصٌ -مواطن أو مقيم- أن ينتقد أمرًا يتعلق بدولة من الدول فهو أمام موقفين: إما أن يسعى لمقابلة المسؤولين فيها، والتناقش معهم، ومحاولة بسط رأيه وموقفه أمامهم، وإن لم يتمكن من ذلك وكان من أصحاب القلم فيستطيع أن يتوجه بقلمه إلى صحافة الدولة ذاتها، وأن يكتب رأيه على صفحاتها، ليقرأه المسؤولون فيها، وتكون وسيلة يوصل رأيه إليهم بواسطتها· مظهرًا بذلك حسن نيته وحقيقة مقاصده من الكتابة عن أمر يتعلق بشأن داخلي خاص بتلك الدولة·

والموقف الثاني الذي يمكن أن يتخذه الشخص المنتَقِد هو أن يطرح الموضوع أمام من لا علاقة لهم به، كأن يكتب في صحافة غير صحافة الدولة ذات العلاقة، أو في أحد منابر النشر الإلكتروني غير التابعة لحكومة هذه الدولة، ليطرح بذلك موضوعًا للنقاش في غياب أصحاب الشأن، وأمام أشخاص بعيدين عنه وغير مؤهلين للحكم عليه·

إن إيجاد مبرر لشخص ينتقد دولة في مكان آخر خارج الحدود الجغرافية لها أمر صعب إلى حد كبير؛ فبالإضافة إلى أن احتمالات اطلاع عدد كبير من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالموضوع أكبر بكثير من أن يطلع عليها الشخص أو الأشخاص المسؤولون عنه مباشرة، فإن هذا السلوك لا يمكن أن يُفسَّر إلا بالرغبة في التشهير وتعريض سمعة هذا البلد للتشويه·

أسوق هذا الكلام في سياق ما قرأته على أحد المواقع الإلكترونية الإخبارية العربية المهمة عن وضع العمالة الآسيوية في دولة الإمارات·

إن ما كُتب من كلام في تلك المقالة يندى له الجبين؛ فهو يعرض لـ(مأساة) العمالة الآسيوية "في بلد تتدفق عليه أموال النفط"، ويبدو واضحًا من اللهجة التي كُتبت بها المقالة، والأسلوب الذي يميل إلى السخرية، أن الهدف من كتابتها ليس النقد البنّاء بقدر ما هو الرغبة في الكشف عن جانب غير مشرق لدولتنا، وخصوصًا لمدينة دبي "الشغوفة بالبناء"، وبيان أن "طرق دبي السريعة الواسعة والتي تصطف على جانبيها ناطحات السحاب البراقة والفنادق الفاخرة المطلة على الشاطئ، ومراكز التسوق الحديثة التي تضجّ بالبضائع، عالم آخر بعيد عن مخيمات العمال المزدحمة التي يصفها العمال بأنها منازل" بحسب ما جاء في المقالة·

كما أن الأخت كاتبة المقالة ركزت على موقف جماعات حقوق الإنسان، واستخدمت عبارات غير لائقة في تعبيرها عن هذا الموقف، مثل قولها: "اتهمت جماعات حقوق الإنسان حكومة الإمارات"، و"حثّت هيومان رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على عدم توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الإمارات إلى أن توقف إساءة معاملة العمال الأجانب"، وغير ذلك مما لا يليق أن يُكتَب عن دولة، وقد يكون مقبولاً إذا كان موجّهًا إلى صحافة الدولة ذاتها، أو إلى أحد المسؤولين فيها·

تقول كاتبة المقالة إن "فقراء آسيا يكدّون في بناء الإمارات مقابل حفنة دولارات"،  ولي هنا ملاحظتان: الأولى أن فقراء آسيا لهم كل الحق في أن يتقدموا بشكواهم إلى المسؤولين في الدولة، وقد اتخذت وزارة العمل مؤخرًا إجراءات كثيرة ألزمت عددًا من الشركات الكبرى بدفع الأجور المتأخرة للعمال، وبتوفير مساكن تتوافر فيها الشروط الأساسية للمعيشة الإنسانية·

الملاحظة الثانية هي أن أجور العمال لا يمكن أن تكون حفنة دولارات، وإن كانت كذلك فهي في كل الأحوال تُعطى وفق عقد عمل رسمي يوقّع عليه العامل نفسه بالموافقة، دون أن يجبره أحد على ذلك·

أمر آخر يُضاف إلى هاتين الملاحظتين هو أن وزارة العمل أصدرت قبل مدة قرارًا بمنع تشغيل العمال خلال فترة الظهيرة لعوامل إنسانية، ولكن العمال هم الذين يفضلون العمل في هذا الوقت لينتهوا من عملهم عند الخامسة بدلا من السابعة في حال توقفهم خلال ساعات الظهيرة·

وتجدر الإشارة إلى أن كاتبة المقالة نقلت عن أحد المسؤولين في الدولة قوله إن الإمارات تقدم "فرصة ذهبية" لهؤلاء العمال لتحسين حياتهم، وأنهم يجدون فيها ما لا يجدونه في بلدانهم من "غرف مكيفة، وثلاث وجبات نظيفة، ووسائل مواصلات، وراتب أفضل بعشر مرات مما قد يحصلون عليه في بلدانهم" دون أن تذكر مصدره، ولا يُعرف إن كانت قد حصلت على هذا الكلام من مقابلة شخصية معه أو من أحد المصادر الأخرى دون أن تشير إليها، وليس هذا المهم، إنما المهم هو الهدف من نقل هذا الكلام وإغفال كلام المسؤول ذاته في مواقف أخرى يبين فيها اهتمام حكومة الإمارات بهؤلاء العمال، وبتحسين ظروفهم المعيشية والصحية، وكذلك إغفال كلام وزير العمل مثلا عن ضرورة معاملة العمال معاملة إنسانية، والمحافظة على حياتهم· إنني لا أجد إلا تفسيرًا واحدًا هو سيطرة روح الانتقائية وعدم الحيادية بحيث يُعرض الموضوع من جانب واحد فقط·

إن النقد بحد ذاته مقبول ومرحّب به، وقد نتفق مع كثير مما جاء في المقالة من حيث مضمونه الأصلي، ولكنه طُرح بأسلوب غير لائق، ركّز على السلبيات وأغفل الإيجابيات بما يوحي لقارئه بعدم وجودها أساسًا· وإذا كان من أبسط أبجديات النقد البناء التوجه به إلى أصحاب الشأن، وإلى المسؤولين عنه مسؤولية مباشرة، وليس إلى عامة قراء العالم، ومحاولة عرض وجهتيْ النظر بحيادية، وليس بانتقائية، فإن هذين الأمرين غير متحققين في هذه المقالة·

أتمنى أن تكون المقالة المذكورة دافعًا للمسؤولين في الدولة إلى العمل على تحسين أوضاع العمال بخطوات أسرع، لأسباب إنسانية في المقام الأول، ولكي لا يكون هذا الموضوع سببًا لورود اسم الإمارات في سياق لا يمثل الجانب المشرق الذي يعرفه عنها جميع الناس في شرق العالم وغربه·

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

عندما تكلم الشعب إلى عامر الزهير:
شيخة الصانع
المرأة تعاقب مؤيديها:
المحامي نايف بدر العتيبي
نعم للنقد لا للتشويه:
د. فاطمة البريكي
الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير:
د. محمد عبدالله المطوع
"ودي أصدق هالنواب":
يوسف الكندري
ظاهرة عارف باشا والسنعوسي:
خالد عبد العزيز السعد
شباب في مهب الريح:
د. لطيفة النجار
ولادة استثنائية.. وتبعات مصيرية:
عويشة القحطاني
مِنْتي كفو..!:
عبدالرحمن خالد الحمود
إلى محمد العبدالجادر:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
انتخابات الوحدة الوطنية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
نو ..نو ..حدسو 4:
عبداللطيف الدعيج