منذ حوالي عقد من الزمان قدم وزير المواصلات الياباني استقالته واعتذاره للأمة اليابانية وذلك إثر تصادم قطارين ووقوع عدد من الضحايا· لم يكن الوزير الياباني مسؤولا بشكل مباشر عن قضية التصادم، ولم يكن فنيا مناط به مسؤولية جدولة حركة القطارات، لكنه رغم ذلك كله وجد أنه، وبسبب موقعه الوزاري يتحمل المسؤولية السياسية عما حدث· ومن هذا المنظور لم يجد سبيلا للتكفير عن خطئه غير تقديم استقالته والاعتذار للأمة وتحمل مسؤولية ذلك كله· هذه الروح العالية في تحمل تبعات المسؤولية الوزارية لن نجد لها نظيرا في أمم الأرض المتأخرة حتى وإن سطرت دساتيرها بمواد تفيد ذلك وبنصوص تدعو الى ذلك· بل إن التوجه العام في مجتمعاتنا هو "عصمة" الوزير والمسؤول في كل أقواله وكل أفعاله، وليس أدل على هذه الظاهرة إلا عبارات التبجيل والإجلال التي تحيط بها خطب السياسيين والمسؤولين، فكأنهم من غير طينة البشر الخطائين· ومن منطلق العصمة الوزارية تقوم قيامة·· مجلس الوزراء عند الحديث عن استجواب أي من وزرائه وتتكاتف أيدي ومهج أعضاء الحكومة دفاعا عن زميلهم وتمجيدا بإنجازاته وتغنيا بجلائل أعماله· وفي الوقت ذاته لا ينسى الوزراء المجتمعون من تذييل بيانهم "بالكليشه" بالتوكيد على حق الاستجواب كحق مطلق لأعضاء مجلس الأمة·
تداعيات استجواب السيد أحمد الكليب، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، لم تختلف في مجملها وتفاصيلها عن تداعيات استجواب وزراء سابقين· فمع تقديم السيد عباس الخضاري لموضوع الاستجواب ومادته لمكتب مجلس الأمة تدافعت "الفزعة" الحكومية تأييدا للسيد الكليب دون أن يتجشم مجلس الوزراء عناء بحث مادة الاستجواب أولا ومعرفة فحواه ومدى جديته وصموده أمام الوقائع الملموسة قبل أن يتخذ موقفا معلنا وصريحا· وكنا نعتقد أن توجه السيد الكليب وتأييد تيار الإسلام السياسي له في الانتخابات سيجعلانه أكثر الناس إيمانا بحق الأمة في استجواب مسؤوليها: وبناء على هذه القناعة كنا نتوقع أن يكون السيد الكليب أكثر الناس حساسية تجاه مادة استجواب السيد الخضاري· لم يكن من المتوقع أن يصل أي وزير في حكومتنا الموقرة، بمن في ذلك السيد الكليب المستوى الرفيع الذي وصله وزير المواصلات الياباني في أخذ الحق من نفسه والإعلان عن مسؤوليته السياسية عن خطأ التحريف في القرآن الكريم، ونؤكد على أن المسؤولية هنا مسؤولية سياسية وليست جنائية بأي حال من الأحوال· لكن كنا نتوقع على أقل تقدير أن يختلف موقف السيد الكليب وكذلك موقف الحكومة من الإصرار بعدم وجود ما يستدعي مساءلة السيد الوزير·
لن نخوض في موضوع الاستجواب ومادته فالسيد عباس الخضاري أقدر منا على ذلك، بل إن مادة الاستجواب قد لا يستدعي نقل الأمر الى مرحلة طرح الثقة، لكن النقطة الرئيسة في الموضوع ترتبط بحساسية الحكومة الموقرة تجاه أي استجواب من قبل أي عضو من أعضاء مجلس الأمة ولأي وزير كان· كأنما الاستجواب ينتقص من هيبة الحكومة ويقلل من شأنها وعلو مقامها، وكأنما الاستجواب ليس حقا خالصا للأمة نص عليه الدستور· |