رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 - 12 محرم 1420هـ 21-22 ابريل 1999
العدد 1373

ذكرى أبي الأحرار مدحت باشا
حميد المالكي
hamid@taleea.com

في ليلة العاشر من أبريل مرت ذكرى الفاجعة الكبرى لموت أبي الدستور العثماني وأبي الأحرار مدحت باشا·

يقول قدري قلعبجي: في ليلة العاشر من أبريل عام 1883 بقي الميرالاي والبكباشي بكر في الحجرة الكائنة على باب الثكنة وحاصرا السجناء بعدد من الجنود·· في الساعة الخامسة كان علي بك نجل نامق كمال نائما مع مدحت باشا في حجرة واحدة فحطموا باب الحجرة بعد منتصف الليل وأخرجوه منها ودخلوا على مدحت باشا فخنقوه ولم يقل لهم سوى كلمة واحدة حسب أنها تردعهم وكانت خليقة بأن تردعهم حقا لو فقهوا لها معنى وهي "أن الجندي يحافظ على وطنه ولا يرتكب الجنايات" ثم حطموا باب حجرة محمود باشا ودخلوا عليه وكان الملازم محمد آغا قد أحضر حبلا فوضعوه في عنقه وعذبوه  عذابا أليما فمات بعد أن كسر أحد الجنود ذراعه بعصاه ولما استشهد الرجلان أخذوهما إلى الساحة ودفنوهما قبل بزوغ الفجر·

وسمع أهل الطائف في  تلك الليلة صراخ رفاق مدحت يشق سكون الليل، قال بعضهم لبعض: إن الجناة يقتلون الأحرار فلعن الله الظالمين·

ولم يطمئن الطاغية السلطان عبد الحميد إلى موت أبي الأحرار فظلت الهواجس تعصف به حتى أرسل إلى الطائف في الحجاز أمرا بحفر قبره وفصل رأسه عن جسده وإرساله إليه ليتحقق من موته فنبش القبر وفصل رأس مدحت عن جثمانه ووضع في صندوق ُأرسل إلى الاستانة وقد كتب عليه "مصنوعات من العاج الياباني لجلالة السلطان" فلما تسلم عبد الحميد هذه الهدية اطمأن وشاع السرور في قلبه··

ولكن عبد الحميد أخطأ في الحساب والتقدير ذلك أن مدحت باشا لم يكن جسدا يفني إن قطع ومزق ومثّل به أشنع تمثيل بل كان بذرة خير وحق زرعت في تربة الشر والباطل والاستبداد فما زالت تنمو وتسمو حتى غدت شجرة عظيمة أثمرت ثمرا حسنا وامتدت فروعها شرقا وغربا وطولا وعرضا وبسطت ظلها الوارف على الوطن الذي تمخض بتلك البذرة الطيبة زمنا طويلا·

ثلاثون سنة تقضت والأحرار يناضلون ويكافحون ويتدبرون الأمور بالعنف تارة وباللين تارة أخرى وهدفهم الرئيس بعث دستور 1876 الذي وضعه مدحت بعد جهاد عظيم ونضال عنيد وثبات على المبدأ وصمود بوجه المحن القاسية حتى انتصر عليها وإقرار بالمبادىء التي استشهد في سبيلها ذلك البطل الثاوي في الطائف والعمل بالوصية التي كتبها حين أحس بدنو أجله أثناء محاكمته في الاستانة لتتلى على الأحرار حيثما وجدوا فينتفعوا بالتجارب التي أبلاها وذهب ضحيتها ·· وقد دعاهم فيها إلى الثبات في الجهاد والإيمان بانتصار الدستور لأنه حق وبث روح الوطنية في جماهير الشعب وتربيتها على محبة الحرية وطلبها بالسيف إذ ليس من أمة تخلصت من الاستبداد إلا به ونبذ الخلافات العنصرية والمذهبية المفرقة لصفوف المواطنين وتوحيد كلمتهم على مقاومة القوم الظالمين·

ثلاثون سنة تقضت والأحرار ماضون على سُنّة مدحت فهو أبوهم وأستاذهم وقدوتهم يعلقون صوره في صدر قاعاتهم مجللة بالسواد ويفتتحون جلساتهم السرية "باسم الله وبذكرى مدحت باشا ضحية الدستور" حتى وجد مذهبه مستقرا في أعماق الصدور وتحول إلى قوة انفجرت في ثورات متتالية انتهت بسقوط عبد الحميد وإعلان الدستور الذي حال الاستبداد دون تنفيذه فيما مضى فإذا به ينفذ بقوة الأمة مقيما البرهان  على شدة الضغط التي ألجأت الناس إلى الصمت خلال تلك الفترة الطويلة إنما كان زمنها زمن تحفّز للوثوب لا زمن استكانة واستماتة!

وكان الأحرار قبل دستور مدحت باشا من أتراك الاستانة وحدها أما بعد عقد مجلس المبعوثين وانحلاله فقد اشترك معهم في النضال العرب والشراكسة والأرمن واليونان وغيرهم من الشعوب التي كانت تخضع لنير الدولة العثمانية وتفرقوا في أنحاء تلك الإمبراطورية الواسعة ينشرون آراءهم فيها وليس بينهم من رابطة غير الاشتراك في معاناة الظلم والتضامن في الثورة عليه بينما كانت الدولة تنهار أركانها واحدا بعد آخر وعلى ذلك الشقاء، شقاء الشعب المتعاظم المتفاقم كانت قصور يلدز "الكوكب" التي تعد أجمل قصور  الدنيا وفي هذه القصور المتفرقة بين الخمائل والغابات والبساتين في مساحة تزيد سعتها على مساحة بلد كبير والتي كانت تضم بين جدرانها خمسة آلاف من الموظفين والخدم والجواري الحسان وسبعة آلاف جندي من الألبان·· كان يعيش وراء عشرات الأسوار والأبواب رجل لا يذكر اسمه إلا متوجا بألقاب التضخيم والتعظيم، فهو السلطان الأعظم والخاقان الأفخم وسلطان البرين والبحرين وإمام الحرمين الشريفين وهو ظل الله في أرضه المحفوف بألطافه الصمدانية وعنايته الربانية!

وكانت أعظم صفات السلطان عبد الحميد الخوف فهو يخاف على حياته من كل أحد حتى من أعوانه وحرّاسه ومن نسائه وأولاده، وهو يخاف من طعامه وشرابه ومن فراشه ووساده، لا يستقر على مضجع ولا يهدأ له بال بل ظل متقلبا على أشواك المخاوف يسير في قصره ويده في جيبه على المسدس·

وأُرغم عبد الحميد سنة 1908 على إعادة الدستور وسقطت حكومة الظل كما يسقط بيت من  ورق وأن الناس قد استفاقوا من ذلك الكابوس المروّع وخرجوا إلى نور الحرية الساطع في الآفاق ولم تلبث القوميات المضطهدة التي كانت تعاني نير الاستعباد العثماني أن تيقظت فتحرر العرب وتحررت شعوب البلقان وبدأت الدولة التركية في سنة 1923 عهدا جديدا أعلنت فيه بداية النظام الجمهوري ونهاية ظلم السلاطين وعصرهم الأسود·

يقول مدحت باشا : "إن حب الاصلاح قد اختلط بدمي فكان كالمرض المزمن لا يُبرأ منه"

وقال عنه بسمارك "لاشك أن مدحت باشا هو من عظماء هذا العصر وعندي أن مسائل الشرق، باتت هذه المرّة على أبواب الحل لأن مدحت باشا هو الشخص الوحيد الذي يعرف ماذا يراد من  هذه المسائل ويعمل دون أن ينحرف أقل انحراف عن جادة القصد الحقيقي"·

وقال عنه هنري اليوت - سفير انكلترا في الاستانة: " ومهما قيل في العراقيل التي لابد أن تعترض المبادىء التي ينادي بها مدحت باشا أثناء تطبيقها على الظروف الحاضرة، فإن الرجل من حيث ميوله الدستورية وقوة شكيمته أعظم العظماء الذين أنجبتهم تركيا"·

وقال عنه أحمد أمين : "كان مدحت من هؤلاء الذين في خلقهم حميَّة وفي طبعهم تحد للشر، وثبات على الجهاد، وجلد على تحمل الألم حتى يلفظ آخر أنفاسه وعار عليه أن يتأوه"·

أما جورجي زيدان فقال كان مدحت ذكي الفؤاد، حاد المزاج، حرّا حازما هماما، مستقل الفكر، جسورا، يحب وطنه ودولته ويتفانى في مصلحتهما وكان مخلص النيّة في أقواله وأعماله شديد الرغبة في الإصلاح، يكره الاستبداد ولا يبالي بما يلاقيه في سبيل مقاومته"·

فحريّ بنا أن نستلهم عطاءات ومدرسة هذا الرجل العظيم ونقتدي بمآثره وأمجاده البطولية والإنسانية الرفيعة ونسلك السبل التي سلكها والمبادىء والأهداف التي قضى من أجلها·

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته·

�����
   
�������   ������ �����
الذكرى 94 لصدور "برنكيبيا ماتيمانيكا"
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية
أول بيان يرسي قواعد جديدة وثابتة بين البلدين
قراءة عراقية في البيان الكويتي العراقي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل
وثيقة تنشر للمرة الأولى
صدام حسين أمام محكمة الشعب عام 1959
نساء العراق بريئات من صدام حسين
دفاعنا عن الكويت يعني دفاعنا عن الحقيقة
نداء عاجل
فشلت المؤامرة وانتصر العراق
الوحدة وتسليم السلطة في العراق
أضواء على التعداد العام في العراق
خطوة كويتية جديدة باتجاه العراق
انتصار الرياضة العراقية
المواطنية والوطنية والولاء
أضواء على مهمة الأخضر الإبراهيمي في بغداد
أطروحتان لمساعدة الشعب العراقي
الاستثمار الكويتي في العراق
حدث تاريخي بارز في الحياة السياسية الكويتية
الذكرى الرابعة لندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية
قراءة من منطلق رؤية فيزيائية فلسفية
كيف وإلى أين يسير الوضع في العراق؟
  Next Page

هذا دور خطباء المساجد:
مظفر عبدالله
الفصائل الإسلامية:
محمد مساعد الصالح
الجزائر بين الرئيس والعسكر:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
استجواب وزير:
د.مصطفى عباس معرفي
الإرهاب والحروب العرقية تجارة فاشلة:
يحيى الربيعان
الناخب الجزائري:
إسحق الشيخ يعقوب
انظر حولك!:
عامر ذياب التميمي
الله يعين خطوطنا الجوية!:
مطر سعيد المطر
قراءات محمد سلمان غانم:
سعاد المعجل
قضية ورؤية
تناقضات(الحلقة الأخيرة):
محمد سلمان غانم
الدولة والتوظيف:
أنور الرشيد
انتخابات سلوى الفرعية:
د. سامي ناصر الخالدي
ذكرى أبي الأحرار مدحت باشا:
حميد المالكي
المحتسبون الصغار!!!:
فوزية أبل