Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17-23 شوال 1419هـ - 3-9 فبراير 1999
العدد 1363

تلعبين بالنار يا حكومة!
ياسر الحبيب

قبل الشروع في أي نوع من الحديث عن الواقع الاقتصادي السيئ الذي تعاني منه بلادنا، يتوجب بداية أن ندرس الأسباب والعوامل التي أدت الى نشوء هذا الواقع المر، إذ لا دواء إلا بعد تشخيص الداء· وحينما نحدد تلك الأسباب فإننا لا بد سنقف على المتسبب والمسؤول، ووقتئذ يصبح لازما علينا أن نحاسبه ليلقى جزاءه، ومن ثم نبدأ بوضع أسس المعالجة السليمة التي تنتشل البلاد مما هي فيه من تدهور مالي خطير·

قد يكون من جملة الأسباب انخفاض سعر النفط وهو مصدر الدخل الوحيد لكياننا السياسي الصغير، وكذا الأزمة التي أصابت السوق الداخلية بفعل انهيار أسهم "المناخ" وظهور مشكلة المديونيات الصعبة، هذا إضافة الى تأثيرات حربي الخليج على المخزون المالي العام للدولة·

لكن المهم الآن ليس تعداد تلك الأسباب التي أشبعها أولو الخبرة الاقتصادية دراسة وتحليلا، بل المهم تحديد المسؤول والمسبب لهذه النتيجة، فالدول عندما تتعرض إلى تهديدات اقتصادية لموارد دخلها الأساسية تضع خطة متكاملة للمواجهة حيث يفترض أن تتغلب تلك الخطة على المشكلة وقتيا ومرحليا، غير أن الملاحظ في معرض الحديث عن أزمة الكويت الاقتصادية انعدام وجود مثل هذه الخطة إلا في كلام الوزراء والمسؤولين!

وهذا يعني أن البلاد كانت تسير طوال هذه الفترة من دون رؤية أو استراتيجية اقتصادية هادفة لتغطية النقص في الموارد· وإذا ما علمنا بأن وضع مثل هذه الاستراتيجية لأي قطر سياسي مسؤولية في صلب مسؤوليات ومهمات الحكومات، فإننا نستطيع أن نقول إن المتسبب في وصول البلاد إلى هذه الحال الاقتصادية المتدنية إنما هو··· الحكومة!

وهذا الجانب - أعني تسليط الضوء على مسؤولية الحكومة - نادرا ما نلاحظ إثارته هذه الأيام ضمن ثنايا حديث الكثيرين عن الأزمة الاقتصادية، فمسؤولون هنا ونواب هناك وفاعليات اقتصادية وكتاب رأي وغيرهم·· الجميع ذوو لسان بليغ في وصف المشكلة الاقتصادية للدولة وعوامل ظهورها، لكنه يتحاشى دوما الخوض في صاحب المسؤولية والمتسبب فيها!

وهو أمر ليس غريبا في ظل واقع كويتي يقلب الأمور رأسا على عقب فيجعل المجني عليه جانيا والجاني مجنيا عليه! كما أنه ليس بغريب على بعض نوابنا واقتصاديينا وصحافيينا مداراة الحقائق التي تدين الحكومة وتفضحها طمعا في رضاها والمكاسب والهبات التي تدرها، أو التزاما بمعادلة مصلحية معنية·

إن مسؤولية الحكومة عن بروز المشكلة الاقتصادية أمر غير قابل للنقاش، وهي النقطة التي ينبغي أن ينطلق منها كل منصف في معرض كلامه عن الأزمة الاقتصادية، فنحن لا نُحمّل الحكومة مسؤولية انخفاض سعر النفط أو اشتعال حرب إيران مع العراق أو حتى حدوث أزمة المناخ أو كارثة الاحتلال على رغم أنها تشترك في المسؤولية عن هاتين الأزمتين الأخيرتين، لكننا نحملها مسؤولية عدم وضعها خطة لمواجهة التهديدات التي واجهت الاقتصاد الوطني منذ أواخر السبعينيات· والحق أننا مهما غضضنا الطرف عن مسؤولية الحكومة في حدوث كم هائل من الأزمات والكوارث والمشاكل المستعصية، تبقى مسؤوليتها في هذا المورد واضحة وضوح الشمس·

وكم من مرة حاولت فيها السلطة التنفيذية التغطية على عجزها وقصورها عن معالجة المشكلة الاقتصادية عن طريق تشكيل اللجان وتفريغها وبث التصريحات وتمجيدها للإيحاء بأنها جادة في أمر إصلاح الخلل، لكنها وفي نهاية كل مطاف تعود من حيث بدأت·· فهو كلام من دون عمل في وقت تتضخم فيه المشكلة وتزداد صعوبة وتعقيدا·

ولعل استذكار بعض ما يدلل على هذا أمر مهم لتثبيته كحقيقة، ففي عام 94 أعلن رئيس الحكومة عن خطة إصلاحية اقتصادية متكاملة، تم على أثرها تشكيل حكومة جديدة وإنشاء لجنة لتصحيح المسار الاقتصادي برئاسة وزير المالية آنذاك ناصر الروضان الذي طالما أكد أن عجز الموازنة العامة للبلاد سينتهي بحلول عام ألفين، وهو الحلم الذي لم يتحقق·· وها هي الحكومة اليوم تعلنها وبصراحة أنها غير قادرة على الوفاء بهذا التعهد الذي قطعه وزير تبارى للدفاع عنه يوم استجوابه في البرلمان من هم اليوم واقعون في حرج بالغ أمام قواعدهم الانتخابية!

وفي عام 97 عاد رئيس الحكومة من الخارج في رحلة علاجية وحمل معه جملة من مشاريع الإصلاح التي وعد بتنفيذهالكن أمرا منها لم يتحقق حتى الآن؟ وما تلك إلا أمثلة قريبة لقصور الإدارة الحكومية وضعفها عن أداء واجباتها المناطة بها، فهي تقطع الوعود تلو الوعود وتلحقها بالتعهدات وأحيانا "الإيمان المغلظة"·

وفي هذه الأثناء، تنوي الحكومة تقديم مشروع قانون لمجلس الأمة يرمي الى فرض رسوم وضرائب على المواطنين والوافدين، وهو ما اصطلح على تسميته بـ"الحزمة الاقتصادية" التي تحاول الحكومة أن تصورها على أنها الحل المثالي الأنجع لمشكلة نقص الموارد المالية وعجز الموازنة·

ونتساءل هنا: كيف تريد الحكومة من المواطنين القبول بهذه "الحزمة" وهي من هي؟ فهل من المعقول أن يكون الداء دواء؟ أعني كيف يمكن لنا الاقتناع بأن المسؤول عن أزمتنا الاقتصادية والذي أخفق غير مرة في إصلاحها قادر اليوم على إنهاء المشكلة؟!! هل من ضمانات معينة أم هي مجرد وعود خاوية كالعادة؟

إن الحكومة تظن أنها تستطيع استغفال الشارع، وعلى الأرجح فإنها تعلم أن البرلمان لن يوافق على مشروعها هذالكنها ستستغل ذلك لتبرير موقفها فتزعم أنها فعلت ما في مقدورها وأدت واجبها إلا أن المجلس هو من عرقل الإصلاح، ومن ثم فإنه من يستحق اللوم ويتحمل المسؤولية·· وهكذا ببساطة تتخلص الحكومة من الانتقادات وتتملص من المسؤولية لتلقيها في ملعب المجلس!

ونظرة سياسية تحليلية لواقع حال الحكومة كفيلة بأن ترسم ملامح مستقبل أسود يتوجب على ذوي الحس الوطني العمل على تغييره وتلافيه عبر البدء بالترويج لحملة الإصلاح الكبرى· تلك الحملة التي ينبغي أن تطهر مواقع المسؤولية من العبث فيكون ذلك طريقا نحو إعادة تأهيل البلاد والسير بها في طريق التنمية الشاملة·

وعودة الى موضوعنا عن "الحزمة"·· فإن أولي الخبرة السياسية متفقون على أن العامل الرئيس في تحريك وتغيير أي واقع سياسي في العالم إنما هو عامل الاقتصاد، فالخبز كان دوما ممهدا للديمقراطية إلا في ما ندر، والشعوب ما إن تشعر بالفقر والفاقة فإنها تتجه نحو التغيير السياسي والتجاوب مع متبنيه من الساسة والناشطين·

وقد اعتاد شعبنا منذ تفجر النفط في أرضه على حياة مرفهة تضمنها الدولة وفق الأسلوب الريعي - وهو مشكلة المشاكل - الذي بدأ يتقلص مع ازدياد الأعباء على كاهل الدولة، واليوم يشعر المواطن بفقده لكثير من أوجه الرفاهية التي كانت له في ما قبل، فهناك بطالة ومشكلة إسكانية عويصة وأقساط متراكمة··· الى آخر تلك القائمة التي تؤرق جموعا كثيرة من المواطنين·

وليس خافيا كيف استقبل المواطنون نبأ نية الحكومة فرض الضرائب والرسوم ببالغ من القلق وكثير من الاستهجان حتى أدى ذلك الى الضغط على نواب البرلمان للمسارعة في سن قانون يمنع فرض أية رسوم أو رفع قيمة أي منها من دون موافقة البرلمان بتشريع، وهو بطبيعة الحال عائق كبير أمام الحكومة·

وإذا ما أُقّر مشروع الحكومة الاقتصادي - القاصر أصلا عن المعالجة السليمة للأزمة - فإن ذلك سيعني ازدياد موجة السخط الشعبية لأن الأمر يتعلق بالدخول الشخصية، وهو ما قد يؤدي الى عواقب وخيمة نستطيع أن نمثلها بما هو جار حاليا في الجامعة، حيث هددت القوى الطلابية الإدارة الجامعية بإضراب شامل عن الدراسة في حال فرضها رسوما على عملية السحب والإضافة من المقررات الجامعية·

ويبدو أن الحكومة غير مدركة لعاقبة ما تفعل اليوم، فالمواطن ليس لديه اقتناع إطلاقا بتحمله أية أعباء إضافية لسد عجز الموازنة، وهو يرى أن طريق الإصلاح إنما يجب أن يبدأ بمحاسبة سراق المال العام حسابا عسيرا والقضاء على أوجه الصرف غير المبررة وتحديد أسس الإنفاق، وقبل كل ذلك الإتيان بحكومة جديدة قلبا وقالبا تتمكن من المضي قدما في طريق الإصلاح وتكون مؤهلة لذلك جديرة بتولي الثقة· وإذا ما ظهرت بعدئذ مشكلة في سداد العجز فإن المواطن لن يرفض أن يشارك في إنقاذ بلاده ما دام مطمئنا الى أن نقوده لن تذهب هباء منثورا نتيجة لعبث العابثين وتبذير المبذرين·

إن فرض الرسوم من وجهة نظرنا السياسية سيكون في كل الأحوال من صالح المعارضة، حيث سيزداد اهتمام المواطن بالشأن السياسي العام نظرا لإحساسه بتناقص في الامتيازات والمكاسب المالية، وسيكون ذلك طريقا نحو استجابته للأطروحات الإصلاحية الوطنية التي تتبناها الحركات السياسية المعارضة·

ولا نظن أن بمقدور حكومة كهذه إقناع المواطن بأهليتها للإصلاح عبر "الحزمة الاقتصادية" المزعومة، خصوصا أنها لن تتمكن من فرضها إلا بعد مشقة تتمثل في إقناع نوابها هذه المرة بالموافقة، وهم اليوم في موقف لا يحسدون عليه، فبين نار الجماهير الرافضة للرسوم وبين نار الحكومة التي تريد فرضها، وفي كلتا الحالتين فإن "نائب الخدمات الحكومي" خاسر!

والأهم من هذا كله·· هو كيف ستتصرف الحكومة إزاء نار المواطنين الذين سئموا من وضع البلاد وما فيها من مشاكل جمة لا حصر لها، وقد انتظروا حلها وتفاءلوا بوعود الحكومة لكنهم أُحبطوا في نهاية المطاف· وإن كان المواطن في ما سبق غير عابئ بالقضايا السياسية الوطنية فإنه اليوم سيكون مهتما بها بعد أن يجد نفسه مهددا في مورد دخله بسببها، وهو الأمر الذي سيدفعه لا محالة الى التعبير عن غضبه وسخطه على الجهاز الحكومي المتسبب في ما آلت إليه الأوضاع العامة في البلاد· فحذار حذار من النار الوطنية يا حكومة··!

�����
   

الإخوان المسلمون وجمع الأموال:
مسلم صريح
البلدية تتجاهل قوانينها:
محمد مساعد الصالح
سذاجة أمريكية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
على نفسها جنت براقش:
د.مصطفى عباس معرفي
الثورة الإيرانية في عامها العشرين: آفاق وتحديات:
يوسف عزيزي
أعياد المملكة العربية السعودية:
يحيى الربيعان
ذاكرة الدم والخوف:
إسحق الشيخ يعقوب
أحداث وقضايا!:
عامر ذياب التميمي
التعامي:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
أين الجامعة العربية:
سعاد المعجل
تناقضات (الحلقة الثالثة):
محمد سلمان غانم
تلعبين بالنار يا حكومة!:
ياسر الحبيب
استقالة العون:
أنور الرشيد
هل ديمقراطيتنا حقيقية..؟:
سعود عبدالله
الثورة الخمينية.. إلى أين؟!!:
فوزية أبل
في جواز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة عن الخطأ المهني الجسيم:
المحامي مصطفى الصراف