Al - Talea
رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17-23 شوال 1419هـ - 3-9 فبراير 1999
العدد 1363

ذاكرة الدم والخوف
إسحق الشيخ يعقوب

يفتح الكاتب والروائي الجزائري (واسيني الأعرج) في روايته (ذاكرة الماء) ثقوب الخوف في ذاكرة المتلقي·· ويضعه وجها لوجه أمام نزيف الإرهاب الدموي·· الذي يستهدف العقل الجزائري المستنير!!

تستضيء حبكة نص رواية (ذاكرة الماء) بدراما الخوف والقلق الذي يضرج هاجس المبدع الجزائري·· في مقاومة الإرهاب وردم نوافير الدم التي تتفجر في الساحة الثقافية الجزائرية!! (ذاكرة الماء) نص روائي مميز بشخوصه وأبطاله وفي حميمية تفاصيل علائقه الإنسانية والوجدانية بين عائلة يتجزؤها الوطن والمنفى·· تحت واقع هجير همجية دراما الإرهاب المعنى بذبح المبدع الجزائري من الوريد الى الوريد!!

يرفض بطل الرواية بكبرياء وجنون أن يترك الوطن نهبا لسكاكين القتلة واللصوص والمجرمين وفقهاء الجهل والتخلف الذين يزرعون الظلام في النفوس والعقول·· وترفض ابنته تركه وحده وتصر على البقاء معه·· وتذهب الزوجة والابن الى المنفى·· ويجسد الراوي هواجس العلائق الحميمية بينه وبين زوجته في نصوص رسائل تنوء بمعاناة الوجد ولهيب العناق··· ويعيش بطل الرواية الذي هو أستاذ جامعي في حالة استنفار وتخفٍ شأنه شأن الكثيرين من المثقفين الجزائريين الذين تترصدهم عيون الإرهاب·

يأتيك أحدهم يسأل عن حاجة أو مساعدة ما·· وهو يسبر مواقيت خروجك وعودتك ويتحين الفرصة برفقة ثلة من القتلة والمجرمين المدربين·· ينقضون عليك ويمزقون جسدك ويقطعون أطفالك بالسكاكين ويتناوبون على زوجتك ويولون الأدبار تحت جنح الظلام!!

يُدخلك الراوي في حالة من الذهول وهو يسرد عليك المعاناة النفسية التي تطبق على المثقف الجزائري في كل لحظة من لحظات حياته·· ويزجك في زفيره النفسي حتى توشك أن تعيش نوبات قلقه وتتمازج في مزيج شظايا معاناته الروحية تجاه أسرته وأصدقائه ووطنه المطعون من الخلف بسكاكين الإرهاب والسلطة على حد سواء!! (ذاكرة الماء) رواية تنبش ضمير الإرهاب وضمير السلطة·· وتستنهض ضمير الرأي العالمي في الوقوف مع الإنسانية التقدمية الجزائرية من أجل وضع حد لمجازر الإرهاب البشعة التي تذرع الوطن الجزائري وتلاحق عقوله المستنيرة!!

وفي عمق اليأس والظلمة·· وغصة الموت·· وحب الأرض والتشبث بالحياة·· تتنفس رواية "ذاكرة الماء" مرارة القلق في عمق ظلام الخوف·· وجنون الفضيحة الإنسانية!!

وفي غور معاناة الروح تتمزق الذاكرة على جدار قسوة صدمات التمرد في عمق ظلام الموت وعتم المصير·· ويصرخ واسيني الأعرج بملء قلمه النازف بالإبداع في عمق الظلام من أجل بصيص نور الحياة!! إن قلم واسيني الأعرج يجسد اقتدار الكلمة المضيئة في اختراق جدار الصمت والظلام· عندما كان واسيني الأعرج نطفة تتقلب في بطن أمه·· قالت العرافة الجزائرية اسمعي: "يا لالة مولاتي" أبشرك سيكون صبيا جميلا يعشق حروف الله والكلمات وتربة الأولياء الصالحين·· سميه باسمهم حتى لا يسرقوه منك مبكرا·· تصدقي كثيرا والا سيموت بالحديد!! وتسأل الأم أي حديد؟ وتجيب العرافة سكين رصاص سيارة طائرة·· "مجنونة العرافة العرافة·· الرصاص انتهى مع الثورة" وكأن العرافة تستشرف مستقبل الجزائر الدامي: ها هي الفؤوس والرصاص والسكاكين تفرم أجساد الأطفال والأمهات والشيوخ وتحيل الأرض الى دماء!! ومن الصباح حتى المساء وعلى مدار 24 ساعة وثعابين الموت تتمدد في ذاكرته·· وفي سياق نص محموم بالقلق يسرد واسيني الأعرج تمزقات روحه قطرة·· قطرة·· إنه الجنون العاري الذي يطبق على أنفاسه·· ويحيله الى هباء في سباق مع الموت من أجل الحياة! ويغوص في عمق المدينة بقلقها وخوفها فيزداد قلقا وخوفا·· ويصبح نهبا لعري سجايا الجنون!!

"ويكتشف فجأة أن الموت الذي يظنه على العتبة·· صار فيه، يدمنه كل صباح مع كأس القهوة المرة"·

إن رواية "ذاكرة الماء" هي سيرة حركة ذاتية الموت في رصد سيرة حركة ذاتية الحياة·· تستمد من رصد سيرة كاتب أدمنت إنسانيته في معاناة وطن يلفظ أنفاسه تحت همجية الفأس والسكين!!

ويصرح النص الروائي في أعماق المتلقي·· ويأخذ به شيئا فشيئا في سياق مُعنى بجنون اللذة والألم·· حتى يتساكن معه في عمق المأساة·· وتتشاجن موجات الموت الباردة في الذاكرة·· أمام جيل يتآكل بكامله في عمق منحدر ذل الظلام والانقراض·· حتى يضع رأسه بين كفيه ويضغط خشية الانفجار وهو يصرخ: "من رأى منكم ذاكرة مشتعلة فليرم عليها ماء·· فإذا لم يستطع فليرجمها بحجر أو·· ليمض منكس الرأس"·

هذا النص الروائي (السرمدي) يتعقبني·· يصبح ذوب دمي·· يطبق على مشاعري·· ينشب أظافره في نبض أحاسيسي!!

لقد انتهيت من قراءته قبل أسبوع·· ولم يُنه نوازع قلقي·· بل ارتكز كالمجنون في جنوني·· وراح يتناسج في حضوري·· وفي غياب دهشتي وفي صحوة غيبوبتي·· رغم مجمل النصوص الأخرى المرئية والمسموعة والمعاشة والمكتوبة·· التي أتعايشها طيلة هذه الأيام السبعة!!

ورغم بعد مساحة الزمان والمكان·· الذي كُتب فيه النص: أعني نص رواية "ذاكرة الماء" للكاتب الجزائري واسيني الأعرج: ها هو نصه يقتحم واقعنا وينسحب على واقع حضور أحد أبناء أصدقائي: أعرفه شابا في مقتبل العمر لا يتجاوز عمره الواحد والعشرين عاما - وكان والده يعوّل عليه - يعمل موظفا في أحد البنوك في مدينة الخُبر: الرقة والابتسامة لا تفارقان محياه·· والنبل والاستقامة لا يتعدىان سلوكه والأناقة تكسو مظهره·· وكان نشاطه وإخلاصه وتفانيه في عمله قد دفع مرؤوسيه الى ترقيته في زمن قصير·· حتى أصبح رئيس شعبه!!

وفي غمرة أيام لا تتجاوز أشهرا تُعد على الأصابع·· أطلق شيئا من شعر عارضيه·· وأهمل مظهره·· واختفت ابتسامته·· واستبدت تكشيرة قلقه في وجهه·· وساءت مسالك علاقته مع زملائه·· وانفصل عن عمله في البنك خشية شبهة الربا - كما يقول - وراح يبحث عن عمل آخر!! هكذا تتوالج متشابهة حوادث سياق ظاهرة ابن صديقي وظواهر حوادث سياق رواية واسيني الأعرج (ذاكرة الماء) التي تسحب نفسها على أحداث ووقائع أزمنة وأمكنة تتباعد آلاف الكيلومترات!!

يقول سائق التاكسي في نص (ذاكرة الماء): أنا كذلك كنت معلما·· ولكني عندما رأيت المنكر ولم أستطع تغييره·· غيرت مهنتي·· العمل عند الطاغوت حرام·

- هؤلاء الملايين الذين يسيرون هذه البلاد كلهم في جهنم في نظرك؟!

- الإمام يقول

- أي إمام يا رجل؟

- إمام باش جراح معروف يقول إن الطاغوت يجب أن يقاطع·· فقاطعت المدرسة·· ويصل النص الروائي الى نتيجة واثقة على لسان الراوي (الآن أفهم جيدا لماذا يذبح الناس بلا رحمة عندما يغلق المخ على ممتلكاته الصغيرة ويحيطها بسياج من الضغينة والخوف يصبح الجهل والقتامة والظلام سادة الدنيا!!

الذي قتل يوسف لا يعرف عنه شيئا سوى الضغينة التي اسمعوه إياها· والنصيحة التي سلّحوه بها فالجهل إذا امتزج باليقين أصبح قنبلة ذرية في يد رجل أعمى القلب والذاكرة·

�����
   

الإخوان المسلمون وجمع الأموال:
مسلم صريح
البلدية تتجاهل قوانينها:
محمد مساعد الصالح
سذاجة أمريكية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
على نفسها جنت براقش:
د.مصطفى عباس معرفي
الثورة الإيرانية في عامها العشرين: آفاق وتحديات:
يوسف عزيزي
أعياد المملكة العربية السعودية:
يحيى الربيعان
ذاكرة الدم والخوف:
إسحق الشيخ يعقوب
أحداث وقضايا!:
عامر ذياب التميمي
التعامي:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
أين الجامعة العربية:
سعاد المعجل
تناقضات (الحلقة الثالثة):
محمد سلمان غانم
تلعبين بالنار يا حكومة!:
ياسر الحبيب
استقالة العون:
أنور الرشيد
هل ديمقراطيتنا حقيقية..؟:
سعود عبدالله
الثورة الخمينية.. إلى أين؟!!:
فوزية أبل
في جواز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة عن الخطأ المهني الجسيم:
المحامي مصطفى الصراف