أقر بأنني في بداية أحداث "الإصلاح" في أوكرانيا تأثرت بصور الجماهير الغفيرة العزلاء تحاصر البرلمان لأيام وليال عدة· واليساريون يخفون عادة الجانب الرومانسي في وجدانهم ألا وهو حلم زحف الجماهير لإسقاط حكم ظالم وفاسد دون إطلاق رصاصة واحدة··! ولكن العقلانية تغلبت حين لاحظت الأمور الآتية:
1 - اختفاء أي دور للقوات المسلحة طوال توالي الأحداث وعدم تدخل الشرطة لتفريق المتظاهرين أو منعهم عن الوصول الى قلب العاصمة·
2 - حكاية محاولة قتل زعيم المعارضة الهوليوودية والتي امتنع ضحيتها عن الخوض فيها وتعددت بشأنها الروايات·
3 - تركيز كل قضايا الديمقراطية في إسقاط المجموعة الحاكمة·
4 - الدعوة السائدة للالتحاق بالغرب الذي تتزعمه أمريكا وإعلان الرغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي·
5 - اختفاء أوكرانيا من الأخبار المسموعة والمرئية بوصول رجل أمريكا الأول الى السلطة العليا، ولم نسمع أي شيء عن تغيير ديمقراطي في نظام الحكم والمجتمع·
6 - لقد سبق تجربة أوكرانيا نجاح إعطاء طابع جماهيري على تغيير الحكومة تجربة ناجحة للسيناريو نفسه في جمهورية جورجيا أفضت الى تسليم السلطة لمواطن أمريكي من أصل جورجي·
7 - ومن الواضح أن السيناريو الجديد يحتاج الى تمويل ضخم· ويكفي مثلا الإشارة الى تكلفة نقل عشرات الآلاف من المتظاهرين الى منطقة السلطة، وكذلك توفير الغذاء طوال أيام التظاهر وملابس وطعام وشراب للذين يبقون في مواقعهم، والإعلام وحضور الإعلاميين الأجانب·· إلخ·
ويبدو أن فشل تجربة غزو العراق التي افترض راسمو السياسة الأمريكية أن الشعب العراقي سيرحب بالغزاة ويبارك الاحتلال الذي خلصه من استبداد وفساد حكم صدام· ولم يحدث أي شيء من هذا القبيل، قاوم العراقيون كل هذا لا حبا في صدام وإنما كرها للعدوان والاحتلال· وما زال صدام حيا يرزق في قبضة المحتلين دون محاكمة عما ينسب إليه من جرائم· ومن هنا آن للأذكياء في الإدارة الأمريكية لإعلاء شعار التغيير من الداخل تحت شعار تحرك جماهيري واسع تحت شعار واحد هو التخلص من حاكم بعينه ومن أعوانه المقربين·
ومن ثم فجعت حين سمعت سياسيا معروفا يقول إن المعارضة في لبنان ستجعل منه أوكرانيا أخرى· ومعنى ذلك تقبل السيناريو الأمريكي الجديد، ولا أعني قضية الدفاع عن نظم قائمة ولكن أعني ضرورة دراسة عناصر السيناريو ومسؤولية المعارضة في كل بلد في تفادي تزييف مطلب الديمقراطية والترحيب بأي صوت يرتفع "من بين الجماهير" فقد يكون على الأقل خطأ جسيما· |