قد لا يضيف مقال يتناول خطاب الشيخ صباح الأحمد شيئا جديدا، فالخطاب خضع لشتى أنواع التعليق والتعقيب، بين مشكك في جدية الحكومة في مسيرتها الإصلاحية، وبين متحمس ومتفائل بأن الخطاب يطلق إشارة البدء الفعلي في بناء مرحلة جديدة ملؤها الجد والعمل للنهوض وتحقيق الازدهار·
وإذا كان خطاب رئيس الحكومة الذي ألقاه في جمع من القيادات الحكومية والفعاليات الاقتصادية قد استعرض برنامج الحكومة الإصلاحي، فإن كلمة رئيس مجلس الأمة في افتتاح دور الانعقاد الثالث قدمت نقدا مفصلا لأداء نواب الأمة!!
لقد اتفق أغلب المعلقين على الخطابين أنهما لا يختلفان في مضمونهما عن أي من الخطب والكلمات السابقة، والتي لا يتعدى أثرها الموقع الذي أطلقت فيه!!
المشاكل التي لخصها رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمة ليست مشاكل جديدة ولا طارئة وإنما هي جزء من تركيبة المؤسسات الحكومية خاصة في الفترة الأخيرة، أو بالتحديد فترة ما بعد الغزو حيث أصبح الفساد في الإدارات الحكومية ظاهرة بعد أن كان استثناء وعم التدني في الأداء والعمل كل مؤسسات الدولة بدءا بالمؤسسات الأكاديمية ومرورا بالمؤسسات الخدماتية، ووصولا الى دار القضاء والعدالة!
وقد كان المواطن وهو في قمة معاناته اليومية مع مؤسسات الدولة وفسادها كان يتصور أن مثل تلك السلبيات غائبة أو مغيبة عن أهل الحل والعقد من الذين بيدهم تسوية الأمور ومعالجتها، بل لقد كان يصارع في أحيان كثيرة، كتابة أو قولا في سبيل إيصال الشكوى الى صاحب الأمر، لعلها حينذاك تجد أذنا صاغية أو قرارا صارما!!
رئيس مجلس الأمة يرى أن المجلس أضاع جدول أعماله وأن الحكومة تركت برنامجها فاختلت الأولويات، ويرى أيضا أن الإصلاح ضرورة وطنية يستدعيها واقع اقتصاد يعاني اختلالات، وإن الإصلاح يبدأ بالمجلس والحكومة اللتين تمتلكان أدواته ووسائله!! كلام رئيس مجلس الأمة هو الكلام نفسه الذي نكرره، ونكتب حوله، ونناقشه في مجالسنا لأربعة عشر عاما، هي عمر فجر التحرير الذي تعاهدنا جميعا حكومة وشعبا أن يشكل بداية جديدة تبدأ فيها الكويت مرحلة مميزة في تاريخها الحديث، وإذا بنا ننحدر عاما بعد عام حتى وصلنا الى قاع التقرير السنوي لمنظمة الشفافية العالمية الذي صنف الكويت في خانة الدول الأكثر فسادا!!
الحديث عن الإصلاح هو حديث واسع ومتشعب والمواطن في الكويت يطمح ولا شك إلى أن يطال الإصلاح كل الجوانب، لكن الإصلاح وفقا لنسخة رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمة، جاء بتركيز واضح على الإصلاح الاقتصادي وبصورة جعلت من الدعوة الحكومية للإصلاح تبدو كبرنامج لإصلاح مسيرة الاقتصاد فقط·
وقد لا ينكر أحد أهمية تفعيل عجلة الاقتصاد، وإعادة بناء الكويت كمركز مالي واقتصادي مهم وحيوي، وما الى ذلك من طموحات وأحلام اقتصادية، لكن الأولوية الإصلاحية يجب أن تكون للإصلاح السياسي الذي سيؤمن ولا شك منفذا آمنا لأي إصلاح اقتصادي منشود، إن تداعيات الأحداث في الكويت وطبيعة المشاكل والأزمات التي تمر بها البلاد تؤكد أن الحاجة أصبحت أكثر من ملحة للبدء بعملية إصلاح سياسي تعيد الكثير من الأمور الى نصابها وطريقها السليم·
قبل أن نبدأ بتفعيل عجلة الاقتصاد نحن بحاجة أولا الى إعادة رسم الدوائر الانتخابية بصورة تعيق على بعض المفسدين فرص التلاعب في أصوات ونوايا الناخبين، وأيضا الى آلية لاختيار الوزراء بصورة تجعل من الوزير شريكا ومساهما في صنع القرار، وليس منفذا لأوامر عليا، آلية تضع الرجل المناسب في المكان المناسب فعليا، وليس قولا أو بصورة شكلية·
إن كل طرق الإصلاح، تمر أولا بالإصلاح السياسي، فمن دونه ستمر الكثير من المفاسد على هيئة محفزات للعجلة الاقتصادية، وتتحول الكثير من القرارات الارتجالية، الى برامج عمل ويتحرك الوطن تحت شعار مكانك سر!!
suad.m@taleea.com |