"أربعون عاما في الكويت" هي ذكريات "أم سعود" واسمها الرسمي فيوليت ديكسون، وتلك الذكريات تشمل الفترة من 1929 - 1969م ولا تشمل مدة سكناها الكويت كاملة، التي اتخذتها هي وزوجها وطنا لهما، إذ توفي زوجها في العام 1959م - وقد شغل منصب المعتمد البريطاني في الكويت من 1929 إلى 1936م - وظلت هي على قيد الحياة تسكن منزلها الكائن على البحر عند نقعة شملان إلى أن وافاها الأجل المحتوم أثناء الغزو العراقي في 1990·
ولا شك أن ذكريات "أم سعود" سجل لجوانب اجتماعية مهمة من حياة الكويت على مدى أربعة عقود، سردت به بعض الأحداث الاجتماعية، كنظرة الكويتيين إلى الغرباء وإلى الطب الحديث وأخبار عن علاقاتها بالعائلة الحاكمة وحياة البداوة التي كانت تميل إليها، وهي أيضا توثيق لأحداث سياسية مهمة كبناء سور الكويت وتهديدات الإخوان ومعركة الجهراء، وهي فضلا عن هذا وذاك بها إشارات لأهم الأحداث والكوارث الطبيعية كسنة الهدامة وسنوات القحط التي كانت تصيب البادية بالذات، وأخيرا، "الذكريات" بها إشارات واضحة للحياة الاقتصادية للكويت وتطورها كذكر بداية نزول طائرات الخطوط الجوية البريطانية عبر البحار في العام 1932م إلى مفاوضات امتيازات النفط بين الشركات الأجنبية والشيخ أحمد الجابر، واكتشاف النفط وتصديره·
لكن "أم سعود" في ذكرياتها أغفلت أو بالأحرى "تغافلت" عن أحداث كثيرة مهمة في تاريخ الكويت - عايشتها هي وزوجها وعرفت تفاصيلها بحكم موقع زوجها وعلاقتهما الوثيقة مع علية القوم -، أقول: "تغافلت" عن أحداث سياسية مهمة كانت لها شاهد عيان كأحداث المجلس التشريعي في العام 1938 التي تأتي على ذكرها في أقل من صفحة واحدة بشكل مبهم ودعائي، ولعل حسنتها الوحيدة في هذا الصدد - دون التقليل من قيمة جوانب الذكريات الأخرى - أقول: لعل حسنتها الوحيدة في هذا المجال هو وصفها لمنظر إعدام أحمد المنيس وصلبه الذي وقع في فبراير من العام 1939، فتذكر أنها وزوجها حينما كانا عائدين من الصحراء سمعا بأن "انقلابا قد خطط له وأحبط"، وتضيف: "ووجدنا المدينة كلها تعج بتجمعات هائلة وقد اتجهنا بالسيارة إلى الصفاة وتركني هارولد" (تقصد زوجها) ودخل مبنى المجلس ليستطلع الأمر· وتكمل أم سعود: " وبينما كنت جالسة في السيارة اقترب المتجمهرون حولي قائلين: هل رأيت الرجل الجريح؟ وهذا ما أعتقد أنهم قالوه·· ولكني أخطأت سماع كلمة "مصلوب"·· واعتقدت أنهم قالوا "مجروح"·· وقد سألت: أين كان؟ فأفسحوا لي طريقا بين المتجمهرين، وقد أصبت بالهلع عندما رأيت رجلا معلقا على صليب من الخشب مثبتاً بعمود في الأرض·· وكان رأسه يتدلى على صدره وقد أصبح جلبابه الأبيض شديد الاحمرار، وقد شعرت بالغثيان وعدت مسرعة إلى السيارة وقد أفهمت أنه كان واحدا من المتمردين"·
alyusefi@taleea.com |