رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 محرم 1427هـ - 1 فبراير 2006
العدد 1713

الفيدرالية...
حوار في الأساس
مشاري الصايغ
al_sayeghq8@hotmail.com

يتجه جارنا غير المستقر أمنياً وسياسياً واقتصادياً اليوم، إلى الدولة المركبة من أجزاء، لأن هناك شبه اتفاق سياسي من حيث المبدأ على جعل نظام إدارة الدولة نظاماً فدرالياً تتقاسم فيه السلطة المركزية و السلطات المحلية قيادة الدولة الجديدة والفدرالية العراقية أطروحة بدأها الأكراد وأيدتها القوى السياسية المتحالفة معها في خارج العراق أيام المعارضة المشتركة،لأن الأكراد العراقيين لما ضمنوا صيغة الحكم الذاتي بالانفصال القسري عن السلطة المركزية في النظام السابق، وحققوا التقدم الملموس في إدارة المنطقة  الشمالية أرادوا - وهم الطرف الأكثر قوة من حيث الأرض والسلطة والمال - أن يضمنوا حقوقهم ضماناً دستورياً وعملياً في الحكومة الجديدة، فطرحوا نظام الإدارة الفدرالية للعراق الجديد·

قوى سياسية أخرى غير الكردية متحالفة معها، ترى أيضاً أن استقرار العراق سياسياً لا يكون إلا بإعطاء المزيد من الصلاحيات للسكان المحليين ليتمكنوا من إدارة شؤونهم بحرية بعيداً عن الإشراف المباشر للسلطة المركزية، ويدعم التقسيم الجغرافي والإداري وجهة نظر مؤيدي نظام الحكم الفدرالي، لأن غالبية سكان المنطقة الشمالية ينتمون إلى القومية الكردية، وأكثرية المنطقة الجنوبية من المسلمين الشيعة، بينما المنطقة الغربية من السنة، وبغداد تجمع كل القوميات والطوائف الدينية·

ولكن ما يلفت أنظار المراقبين السياسيين المعنيين بالشأن العراقي، في خصوص القضية الفدرالية شيئان:

الأول: أن العراقيين غير السياسيين وهم الكثرة العددية الصامتة لم يتفهموا أطروحة  الفدرالية وما وراءها  وما بعدها كما يجب، لأنها تطرح طرحاً إعلامياً ولا حتى أكاديمياً إلا في حدود الندوات المغلقة مما يعطي انطباعاً لدى الذهنية العامة عن مدى صدق الأطروحة ومدى إرادتها·

والثاني: أن السياسيين العراقيين هم أيضاً لم يتفقوا - بعد- على معنى وطريقة محددة للفدرالية العراقية، ربما الكيانات السياسية التي تتبنى المنهج الفدرالي قد وضعت اللبنات الأولى للفدرالية التي تزمع تأسيسها في العراق، فيكون العراق الدولة العربية الثانية من بعد دولة الإمارات العربية المتحدة تلتحق بأكثر من عشرين دولة فدرالية في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وبعض الدول الأسيوية·

المعروف أن نظم  الدولة المركبة ليس على نوع واحد، فبعدد الدول التي أخذت بالفدرالية يوجد نظام حكم فدرالي، فالفدرالية مصطلح غير عربي يعني في العربية اتحاد، والاتحاد لابد أن يكون بين شيئين، وجزء الشيء الواحد جزء لا يتجزأ منه، لا متحداً مع غيره من الأجزاء، فلكي يحصل الاتحاد فنحن بحاجة إلى شيئين متشابهين في بعض الخصال ومختلفين في خصال أخرى، هذا من حيث الفهم اللغوي والعلمي لكلمة الاتحاد·

ولكن المعنى الاصطلاحي والسياسي للفدرالية معنى مختلف عن الأول، لأن الدولة المترامية الأطراف رغم أنها دولة واحدة من حيث الشكل  والإجراءات، ولكنها متعددة ومتنوعة في الموقع الجغرافي والسكان والطبيعة، فكل بقعة هي ولاية تمتاز عن غيرها من الولايات بالعادات والتقاليد والثروات والانتماءات، واللغات، وبالتالي لها ما يميزها عن غيرها من الولايات، ولكن هناك قواسم مشتركة وحاجات أساسية لكل ولاية لا تتحقق إلا بإعلان عن كيان موحد له سياسات موحدة، وله قيادة سياسية واحدة، تنوب عن الولايات في إدارة شوونها ومصالحها فيحصل الاتحاد والفدرالية السياسية، كما في الولايات المتحدة الأمريكية·

أقام الكرد العراقيون مشروعهم الفدرالي على أساس "قومي" وطالبوا بإقليمين عراقيين، أحدهما عربي يشمل المنطقة الجنوبية والوسطى، والآخر كردي يشمل المحافظات الشمالية الثلاث السليمانية ودهوك وأربيل، مضافا الى كركوك·

أما العرب العراقيون، إذا استثنينا أنصار الدولة الواحدة نقيض الدولة المركبة، الذين يرون في الفدرالية مشروع تقسيم خارجي للعراق، فإنهم لا يتفقون في أكثريتهم مع الأساس الفدرالي الذي ذهب إليه الأكراد، ولكنهم في الوقت ذاته لا يطرحون بديلاًَ قوياً لنوع مقبول من الفدرالية·

المؤمنون بالفدرالية كأفضل نظام حكم ديمقراطي مستقر في العراق، يطرحون مجموعة أسس للفدرالية العراقية، الأساس الأول هو الأساس القومي بمعنى وجود اتحادين اثنين في العراق هو الاتحاد الكردي والاتحاد العربي، لأن العراق مؤلف من قوميتين كلاهما يكونان الشعبين العربي والكردي·

ويرد على هذا الأساس أنه يؤمن بالقومية كأداة من أدوات التقسيم للأرض والوطن، وإنه لا توجد قوميتان في العراق، بل هناك القومية التركمانية والآشورية وغيرهما، وماذا لو كانت بعض المحافظات عبارة عن تجمع قوميات عدة متآخية مثل كركوك؟ وإن  الظلم الذي لحق بالأكراد لحق بالعرب الشيعة وبالقوميات الأخرى، حتى قيل "إن صدام ما عدل بشيء كما عدل بتقسيم ظلمه"·

والأساس الثاني هو الأساس الطائفي - القومي، وينطلق هذا الرأي من الظلم التاريخي الذي لحق بالشيعة والكرد، مضافا إلى الثروة الطبيعية التي تختزنها الأراضي الجنوبية والشمالية· فأنصار هذا التوجه يرون أن الشعب العراقي يتكون من قوميتين ومذهبين، فمن حيث القومية يقسم العراق إلى اقليمين عربي وكردي، ثم تقسم المنطقة العربية بحسب المذهب الديني للسكان، فوسط وجنوب العراق يقطنها أكثرية شيعية، فيكون لهم إقليم شيعي، والمنطقة العربية يقطنها أكثرية سنية، فيكون لهم إقليم سني·

ويؤخذ على رأي تقسيم العراق على أسس قومية وطائفية، أن هناك كردا في الجنوب والوسط والغرب فماذا نفعل معهم؟ وإن هناك سنة في الجنوب، وشيعة في الوسط والغرب، فما مصيرهم؟

والأساس الثالث للفدرالية في العراق هو الفدرالية الجغرافية، أي يكون بإمكان كل ثلاث أو أربع محافظات أن تقيم إقليما خاصا بها، يكون له عاصمة، شريطة موافقة ثلثي سكان المحافظات الثلاث، فمثلا تستطيع السليمانية ودهوك وأربيل أن تؤسس إقليما لها وعاصمة مستقلة وحكومة ووزراء وسياسات خاصة متفقة في خطوطها العريضة مع العاصمة الفدرالية بغداد، ولكن تحتفظ الأخيرة بالعلاقات الخارجية ووزارة الدفاع وبعض الوزارات بحسب الدستور والقانون· وهذا الأمر ينطبق على كل ثلاث محافظات في العراق، وليس حكرا على الشمالية فقط كما يتصوره البعض·

هذا الأساس أقره قانون إدارة الدولة في المادة الرابعة بقوله: الـ"نظام في العراق جمهوري اتحادي (فيدرالي، ديمقراطي، تعددي ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية، والفصل بين السلطات، وليس على أساس الأصل أو العراق أو الإثنية أوالقومية أو المذهب)·

من منظوري الخاص أن الفدرالية هي الحل الوحيد الذي يحتاجه جار الشمال وهي التي ستساهم بشكل أساسي وفعال على استقراره واستعادة أمجاده، الأمر الذي سينعكس إيجابا على أمن واقتصاد جيرانه وبشكل مباشر، فالشعب العراقي بحاجة الى مزيد من عوامل اللحمة الوطنية، لا الى مزيد من الأشباح المخيفة، التي جعلت أصحاب النفوس الدنيئة تجعل منه موطنا لهاتنشر سمومها عن طريق أفعالها وأفكارها المتطرفة وتحاول أن تصدرها الى الدول المجاورة له·

ولكي يتم كل هذا يجب تطبيق أمور عدة من شأنها أن تساهم في اعتماد، الفدرالية في العراق وهي:

1 - نشر ثقافة نظام الحكم الفدرالي بحيث يستطيع المواطن العراقي العادي غير السياسي، أن يتفهم طبيعة الفدرالية وفوائدها أو أضرارها المحتملة·

2 - تأكيد الأسس التي تقوم عليها الفدرالية العراقية، ليتمكن المواطنون من تحديد الأساس المضمون والنافع من بين الأسس المختلفة·

3 - توضيح مبادئ تقسيم السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وشؤون المصادر والثروات وكيفية توزيعها·

4 - إعلان استفتاء شعبي صريح حول اختيار نوع الفدرالية التي تناسب بلاد الرافدين·

alsayegq8@hotmail.com

�����
   

العرب والسياسة: أين الخلل؟:
سعاد المعجل
أي غرب هذا؟:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
في زحمة الصخب والضجيج تعتكف الحكمة... وتضيع الحقيقة:
يحيى علامو
لب الموضوع:
مسعود راشد العميري
أحزنني ثم فرحت:
يوسف الكندري
رئيس شعبي:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الصين باللغة العربية:
د. محمد حسين اليوسفي
"إسرائيل" والناخب الأمريكي(2-2):
عبدالله عيسى الموسوي
لنفكر بما لن نشاهده:
على محمود خاجه
الحس البيئي:
أحمد حسين سلطان
لك الشكر والتقدير يا أبا الدستور...:
محمد جوهر حيات
الفيدرالية...
حوار في الأساس:
مشاري الصايغ
التطرف الفكري وعواقبه:
عبدالله حمد الربيش