رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 محرم 1427هـ - 1 فبراير 2006
العدد 1713

الصين باللغة العربية
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

قد يبدو هذا العنوان غريبا لأول وهلة، لكن وجه الغرابة ينقشع حينما نعلم أنه عنوان لإحدى الدعايات التي تروج للمنتجات الصينية والتي باتت تتكاثر في صحفنا ووسائل إعلامنا· وصاحب الدعاية ذاك، قد وجد الثقة في نفسه - أو بالأحرى الثقة بما يروج إليه - لدرجة أنه ضمن منتجه فيما ضمن "تعليم مبادئ اللغة الصينية"!! وأغلب الظن أن مثل هذا الإعلان لم يكن ليظهر قبل سنوات قليلة خلت، وإن ظهر، فإن أصحابه لم يكونوا يتجرؤون الدعاية لتعلم اللغة الصينية!! ويحق لصاحب هذا الإعلان أن يفتخر، ذلك أنه يتحدث عن أضخم اقتصاد نام، فقد بلغ إجمالي قيمة تجارة الصين الخارجية العام الماضي 1,15 تريليون دولار كان الفائض التجاري منه 32 مليار دولار، محتلة المركز الثالث عالميا، في حين يتوقع نائب وزير تجارتها فاو هو تشنغ أن تتجاوز بلاده ألمانيا بحلول العام 2008 لتصبح ثاني أكبر دولة تجارية، وإذا ما استمرت على نفس معدل النمو فإنها ستتخطى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 2015 الى 2020 (السي أن أن 14/12/2005)·

نجح الصينيون فيما أخفق "السوفييت"، ففي الوقت الذي كانت جحافلهم تغزو أفغانستان انتصارا لانقلاب عسكري قاده مجموعة من الضباط القبليين الذين كانوا يحملون "رايات الثورة البروليتارية زورا"، والتي كانت بداية لانهيار تجربة كاملة، كانت الصين بقيادة زعيمها الجديد دينغ هيساو بينغ أعقل من ذلك· إذ وجه الصين وجهة العصرنة والتخفف من ثقل الأيديولوجيا، وعبر عن نظرته العملية الجديدة بقوله في أحد الاجتماعات الحزبية في ديسمبر من العام 1978: "ليس مهما إن كان القط أسود أو أبيض، فطالما كان قادرا على اصطياد الفئران فهو قط جيد"·

كانت النتائج مذهلة - كما تكتب مجلة النيوزويك الأسبوعية الأمريكية 10 مايو 2005 - "فقد نمت الصين بنحو 9 في المئة سنويا لما يزيد عن 25 عاما، وهي نسبة النمو الأعلى لأي اقتصاد رئيسي في تاريخ البشرية، وفي الفترة نفسها، خلصت الصين 300 مليون نسمة من الفقر وضاعفت متوسط دخل الفرد أربع مرات· والأهم من ذلك - كما تضيف المجلة - أن ذلك حدث دون أي اضطرابات اجتماعية كارثية مفاجأة حتى الآن· "ولقد حققت الصين تلك الطفرة التنموية بفضل خلق منافسة بين مؤسساتها الاقتصادية فضلا عن إعطاء المديرين وقادة القطاعات الاقتصادية حرية اتخاذ القرارات، وضبط النمو السكاني عبر سياسة "طفل واحد لكل أسرة" ثم أخيرا وليس آخرا فتح المجال للاستثمارات الخارجية·

ولعل إحدى علامات ارتفاع مستوى معيشة الفرد الصيني هو ازدياد سفره للخارج كسائح بعد أن سمحت الحكومة لشعبها بزيارة معظم دول العالم فيما عدا الولايات المتحدة الأمريكية· وقد بلغ عددهم العام الماضي حوالي ثلاثين مليونا، زار مليون منهم تايلند· وقد تناولت جريدة الكرستيان ساينس مونيتور (28/12/2005) ظاهرة السياحة عند الصينيين بوصفها ظاهرة جديدة تحت عنوان طريف وهو: "الأمريكيون القبيحون الجدد لآسيا" تذكيرا بالكتاب الذي راج في الستينات تحت عنوان "الأمريكي القبيح" الذي يصف صلف الأمريكان وعجرفتهم· أما انطباعات مضيفيهم فيقول أحدهم: "إن السواح الصينيين بسطاء، حديثي نعمة، يتظاهرون بالغنى"·!!

وتجرى في الصين عملية اجتماعية ضخمة تتمثل في الهجرة من الريف الى المدينة، حيث تتجه الدولة الى تبني سياسة Laissez Passer (دعه يمر) أو الانتقال الحر للعمالة مما خلق معدلا للتحرك خلال السنوات الست الماضية لما يقدر بمئتي مليون عامل يشكلون الأساس لما يسمى في عالم الاقتصاد - حسب النيوزويك 20 ديسمبر 2005 - "السعر الصيني"، أي انخفاض تكلفة العمالة الصينية التي تؤدي الى رخص منتجاتها قياسا بمنتجات الدول الأخرى وبالتالي قدرتها التنافسية العالية·

بيد أن تلك النجاحات العظيمة كان لها وجه آخر، وهو وجه ليس بإشراق الوجه الأول، فسياستها التنموية لم تراع متطلبات البيئة مما يجعلها عرضة للكوارث البيئية كالفيضانات وذلك بسبب قطع الغابات فضلا عن أن مدنها باتت ملوثة أشد التلوث· أما سياسة التوسع في الصناعة على حساب الزراعة فآخذة بخلق هوة سحيقة بين المستوى الاقتصادي لأهل المدن ونظرائهم من أهل الريف خاصة لأولئك الذين تأخذ أراضيهم لبناء مصانع عليها وما يرافقها من خدمات عمرانية· وبفضل هذه السياسة أصبح 70 مليون فلاح معدما ينضم معظمهم الى جيش "عمال التراحيل" الباحثين عن فرص أفضل في المدن· وتتنامي حركة مقاومة مصادرة الأراضي تلك، وتأخذ طابعا عنيفا في أغلب الأحوال، فوفقا لجاشوا مولدافين، وهو أستاذ للجغرافيا والدراسات الآسيوية في إحدى جامعات نيويورك - والذي ينقل من مصادر رسمية - فقد وصلت حوادث المقاومة تلك الى 74 ألف حالة في العام 2004 (الهيرالدتربيون 1/1/2006)·

وما تفشي الانتحار، الذي أصبح السبب الأول للوفاة بين الشباب الصيني، والسبب الخامس لحالات الوفاة عموما، إلا تعبيرا عن تلك الحقائق الاجتماعية الجديدة· فالضياع وضعف العلاقات الاجتماعية وبروز النزعة الفردية عوامل أساسية تدفع بالبشر الى الانتحار كما بينها رائد من رواد علم الاجتماع قبل قرن وهو الفرنسي أميل دوركايم، الذي نكرر آراءه على مسامع طلبتنا باستمرار· فقد أظهرت دراسة نشرتها البي بي سي (29/11/2002) أن أكثر من ربع مليون يموتون كل سنة منتحرين يمثلون ربع مجموعة محاولات الانتحار، النسبة الأعلى بين النساء الريفيات وعلى وجه الخصوص الشابات منهن· أما الوسيلة الرائجة لانتحار السواد الأعظم من هؤلاء فهو تناول المبيدات الحشرية أو سم الفئران!!

alyusefi@taleea.com

�����
   

العرب والسياسة: أين الخلل؟:
سعاد المعجل
أي غرب هذا؟:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
في زحمة الصخب والضجيج تعتكف الحكمة... وتضيع الحقيقة:
يحيى علامو
لب الموضوع:
مسعود راشد العميري
أحزنني ثم فرحت:
يوسف الكندري
رئيس شعبي:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الصين باللغة العربية:
د. محمد حسين اليوسفي
"إسرائيل" والناخب الأمريكي(2-2):
عبدالله عيسى الموسوي
لنفكر بما لن نشاهده:
على محمود خاجه
الحس البيئي:
أحمد حسين سلطان
لك الشكر والتقدير يا أبا الدستور...:
محمد جوهر حيات
الفيدرالية...
حوار في الأساس:
مشاري الصايغ
التطرف الفكري وعواقبه:
عبدالله حمد الربيش