الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية - أو هكذا يجب أن يكون - المهم أن لا يتطور الاختلاف الى خلاف ثم الى نفور فقطيعة أو تصادم لا سمح الله، كان لا بد من ذكر هذه المقدمة قبل أن نتطرق لدعوة الحركة الدستورية الإسلامية للحوار بين مختلف التيارات السياسية المحلية وهو أمر مطلوب على كل حال حتى إن كان الاختلاف بين التيارات السياسية كبيرا وجوهريا إلا أنها (التيارات) بالنهاية في "قارب واحد" اسمه الوطن، الاختلاف الكبير - في تقديرنا - يتمحور حول قضية مركزية واحدة تدور حولها قضايا فرعية كثيرة، التيارات السياسية الدينية بمختلف تسمياتها تدعو الى قيام الدولة الدينية فيما تدعو التيارات السياسية "الأخرى" الى التمسك بالدولة المدنية، وهذه هي القضية المركزية أو لب الموضوع· الدولة الدينية تقتضي الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في كل أمور التشريع سواء كانت ذات طبيعة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو ··· إلخ، ومن هنا تبرز الكثير من الإشكاليات، اجتماعيا، يعرف الجميع أن الشريعة الإسلامية - بمعنى الفقه الإسلامي - تختلف باختلاف المذاهب الإسلامية الكثيرة وبالتالي أصبح من الصعب الأخذ بمذهب واحد في التشريع دون الإخلال بمبدأ المساواة بين مواطني البلد الواحد، من هنا كانت معالجة الدولة المدنية لهذه القضية أكثر واقعية حيث ساوت بين المواطنين في التشريع بغض النظر عن المذهب أو حتى الدين، سياسيا، الدولة الدينية تدعو الى مبدأ الشورى تحت مظلة "الحاكمية"، أما كيف تكون الشورى في الأمور السياسية فتلك مسألة أخرى تختلف باختلاف الفقه الإسلامي ذاته، بينما الدولة المدنية تدعو الى الديمقراطية تحت مظلة "الأمة مصدر السلطات جميعا"، أما تطبيقاتها في المجال السياسي فتكون عن طريق الانتخابات الحرة لجميع المواطنين البالغين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو الدين، المسائل الاقتصادية والمالية غير واضحة بعد في الدولة الدينية فهي "الدولة" لا تستطيع البقاء بمعزل عن العالم واقتصاداته القائمة على نظم مالية ربوية، وبالتالي فالأمور الاقتصادية والمالية في الدولة الدينية تحكمها - في تقديرنا - تشريعات "الضرورة" والواقعية وهي بذلك تقترب كثيرا من الفكرة "البرغماتية" المتبعة لمثل هذه الأمور في الدولة المدنية الرأسمالية·
ثقافيا، وبالنظر الى واقع الأمة المتردي أصبحت الحاجة ملحة لمراجعة بعض التأويلات والتفسيرات المثيرة للجدل في الفقه الإسلامي (لجميع المذاهب) والتي تفرق ولا تجمع، تكفر ولا تقبل بالاختلاف، تلغي العقل وتعتمد على العاطفة، وهذا في رأينا لن يتم إلا من خلال الدولة المدنية الديمقراطية الحقة التي تضمن الحريات بجميع أنواعها وصورها· نؤكد مرة أخرى على أهمية الحوار مهما بلغت الاختلافات، المهم أن نصل بالقارب الى بر الأمان·
wejhat-nazar@hotmail.com |