نعم، من يجرؤ على تصوير ونشر ما يجري في المعتقلات والسجون العربية من انتهاك لحقوق الإنسان وسحق لآدميته وهتك لستر كرامته، أن ما يحدث في السجون العربية وخصوصا ضد معتقلي قضايا الرأي والسياسيين أمر لا يمكن تصوره أو حتى مجرد التفكير فيه أو تخيله فالطرق والأساليب المتبعة بشعة وحاطة للكرامة ومقززة ولا يسمح للمحامين ولا منظمات حقوق الإنسان بالتفتيش والرقابة على ما يجري داخل هذه المعتقلات بل في كثير من الأحيان لا أحد يعلم بمكان المعتقلين ولا التهم الموجهة إليهم وتُخفى المعلومات حتى عن ذويهم·
إن ما كشفته وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية من نشر صور لانتهاكات حقوق الإنسان في معتقل أبو غريب أعاد الاعتبار لمصداقية هذا الإعلام بعد محاولات التشكيك التي طالته من أزلام البعث العراقي وبعض مدعي القومية ومحللي القنوات العربية المأجورين الموالين لأنظمتهم القمعية والمدافعين عن تكسبهم الإعلامي اعتقادا منهم بأن التشكيك بالإعلام الغربي يساوي بينه وبين إعلامهم ويوهمون أنفسهم بأن الإعلام الغربي يقوم بممارساتهم نفسها في السكوت عن كشف الحقيقة والتستر على الأنظمة القمعية·
الجنود الأمريكيون الذين شاهدوا تعذيب بعض المعتقلين البعثيين في سجن أبو غريب على أيدي بعض الجنود الأمريكيين خلال استجوابهم لقيامهم بأعمال تخريب وهجوم مسلح على قوات التحالف ساءهم ما يحدث واعتبروه عملا مشيناً وانتهاكاً لحقوق الإنسان لا يمكن السكوت عنه ولا يتماشى مع القيم الديمقراطية، فما كان من بعض هؤلاء الجنود إلا أن قام بتصوير مشاهد التعذيب ومع أنهم جنود احتلال والمعتقلون عراقيون إلا أنهم قاموا بتسريب الصور لوسائل الإعلام، لم يخشوا العقاب والأذى ولاتصفية لكونهم مواطني دولة ديمقراطية تحترم الدستور وتقر حقوق الإنسان وتفصل بين السلطات وكل مؤسسات المجتمع المدني تعمل بحرية وفاعلية، من يجرؤ في وطننا العربي الكبير على القيام بمثل هذا العمل؟ وما هو مصيره لو وجد يحمل مثل هذه الصور؟ أضف الى ذلك من سيقوم بنشرها في حال تمكن من إيصالها لوسائل الإعلام العربية؟
الجميع مدرك لخطورة ما وقع في سجن أبو غريب وغيره من المعتقلات وعلى وسائل الإعلام العربية المختلفة عدم السكوت بل من الواجب فضح مثل تلك الممارسات وغيرها من الممارسات اللاإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان التي تقع في العالم العربي وأن لا تتستر عليها، ثم أين أجهزة الإعلام العربي من جرائم ومذابح نظام صدام حسين، أم أنه في نظر هذه الأجهزة أن انتهاك حقوق الإنسان العربي والحط من كرامته وسحقه وسحله لا يجب أن يكون إلا على أيد عربية لأن هذا الاختصاص منوط بأجهزة القمع العربية وبذلك يكون الوضع طبيعيا ولا حاجة لكشفه وتعريته؟!
nayef@taleea.com
|