في عصر يوم الخامس والعشرين من فبراير 1991 كنا - نحن الأسرى الكويتيين - في الطريق الى وجهة مجهولة لنا بعد أن خرجنا من معسكر الانضباط الحربي في بغداد، كنت في المقعد الأول من الحافلة خلف السائق من اليمين، وفي الطريق ظهر أمامنا على اليسار ومن على بعد مبنى (حوطة) مترامي الأطراف وذو جدار عالٍ وله بوابة ضخمة قديمة، وأمام تلك البوابة تجمع كثير من الرجال والنساء الكثير منهم يرتدون الملابس التقليدية، نظر إليّ السائق وقال: "يابه هذا سجن أبو غريب، وهو سجن السياسيين"، ظلت صورة تلك الأسوار العالية والبوابة القديمة والعشرات من آباء وأمهات السجناء في مخيلتي طوال هذه السنوات، وفرحت كثيرا حينما سقط النظام ودخلت الجماهير ذلك السجن لتكشف للعالم بشاعة نظام صدام حسين الدموي الذي ملأ العراق بالسجون والمقابر الجماعية، ولكن للأسف، فإن فرحتي وفرحة جميع الأحرار لم تدم طويلا، إذ سرعان ما تحول هذا المكان ثانية الى معتقل رهيب يحوي الآلاف من العراقيين، تهم الكثير منهم أنهم تواجدوا في المكان الخطأ·
إن بشاعة الصور التي ظهرت بما تحوي من صنوف التعذيب المختلفة وامتهان كرامة المساجين والممارسات السادية والجنسية الشاذة أرجعت الصورة الكريهة لهذا السجن الذي ادعت قوى التحالف أنها أتت الى العراق لتزيله من واقع هذا البلد المنكوب، غير أن ما يبدو من تلك الصور وما نراه في معتقل "غوانتانامو" لا يدع مجالا للشك أن تلك الممارسات اللاإنسانية ما هي إلا أسلوب قائم في السجون والمعتقلات الأمريكية، وهو أسلوب يتنافى مع المعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان فضلا عن تعارضه مع الدستور الأمريكي، ومن حسن الحظ أن هذا الأسلوب قد فضحه جندي كان ضميره حيا مما سلط الضوء على تلك الممارسات الشاذة ليولد ضغطا على الإدارة الأمريكية لوقفها ومعاقبة المسؤولين عنها·
إن هذا الضغط الدولي الذي تولد أفسدته تلك العملية البشعة التي قام بها أبو مصعب الزرقاوي والتي تمثلت في قطع رأس الرهينة الأمريكي، إذ إن تلك العملية النكراء قد أعادت صورة الإرهابي الذي لا يتورع عن فعل أي شيء بدعوى إيذاء العدو أو الجهاد ضده كتفجير طائرة بمن فيها أو مهاجمة مبنى مدني وقتل الأبرياء أو غيرها من الأعمال الشنيعة التي لا يقرها دين ولا عقل، وبالتالي، فإن هذه العملية أعطت اليمين الأمريكي مزيدا من الأدلة والبراهين للترويج لدعواها بمحاربة الإرهاب·
ولا شك أن القمع وامتهان كرامة الإنسان والممارسات الشاذة والأعمال الشنيعة والبشعة كلها مرفوضة ولا بد أن يقدم مرتكبوها للعدالة أنتمى هؤلاء لدولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية أم كانوا ينتمون الى تنظيم عدد أعضائه عدد أصابع اليد الواحدة كتنظيم "أبو مصعب الزرقاوي"؟!
alyusefi@taleea.com |