لا يمكن لأي مراقب لتاريخ الدولة العبرية أن يعتبر اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي بأنه تصعيد خطير من جانب قوات الاحتلال، ذلك لأن سياسة الاغتيالات، تقع في صلب العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي، الذي يراها قادة هذا الجيش موازية لسياسة الحرب الاستباقية، التي مارستها ضد العرب مرات كثيرة·
فسياسة الاغتيالات بدأت قبل قيام الدولة العبرية على يد عصابات "الهاغاناة" و"ليحي" و"شيترن" و"الآرجون" وهي مجتمعة، شكلت نواة الجيش الإسرائيلي الذي أقام الدولة وأضحى رقما صعبا في معادلاتها السياسية والأمنية·
وبرأيي، يعود السبب في كثرة الاغتيالات حاليا لثلاثة أمور لا رابع لها:
الأول هو حالة الذل والخنوع التي أصابت الجسد العربي بحيث لم يعد قادرا حتى على الطلب من المجتمع الدولي مناقشة إرهاب الدولة العبرية إلا في حال تقديمه لجملة من التنازلات، ولعل المراقب لما جرى في أروقة مجلس الأمن من محاولات عربية - يائسة - لتمرير قرار إدانة اغتيال الدكتور الرنتيسي يتأكد له كم هي مأساوية حالة الأمة اليوم·
وثاني هذه الأمور يكمن في الدعم اللامحدود من الإدارة الأمريكية للإرهاب الصهيوني ووصفه بأنه "دفاع مشروع عن النفس ضد الإرهاب الفلسطيني"، وهو دعم يزداد تغطرسا ووقاحة يوما بعد يوم مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية وسعي الرئيس "بوش" للحصول على دعم اللوبي الصهيوني المعروف بـ "آيباك"·
أما ثالث هذه الأمور، فهو ارتفاع وتيرة الانتفاضة وتكبيدها الجانب الإسرائيلي خسائر جسيمة مما حدا بقادة الكيان الصهيوني الى اتخاذ قرار بتصفية قاعدة العمل المسلح إيمانا منهم بأن مثل هذه الخطوة ستخمد نار الانتفاضة، ولنا في النموذج اللبناني خير مثال، فعندما اغتال الصهاينة السيد عباس الموسوي كانت دماؤه هي المشعل الوهاج لرجال المقاومة الذين زادوا حماسا ويقينا باقتراب موعد النصر، الذي تحقق بعد ذلك بسنوات قليلة·
باختصار، إن سياسة الاغتيال والقتل لن تزيد الشعب الفلسطيني إلا إصرارا على مواصلة درب الكفاح والجهاد المسلح، كما أن هذه السياسة الهمجية تزيدنا قناعة يوما بعد يوم بأنه لا سلام مع قوم عقيدتهم وديدنهم الاغتيال وسفك دماء الأبرياء·
abdullah.m@taleea.com |