هذه محاولة لفهم الشروط والضوابط الخاصة بإقامة الحفلات الغنائية والموسيقية بالأماكن العامة، وسنحاول هنا قراءة ما لم يكتب وبعض ما كتب بشكل أدق، وسنبدأ بمواد الدستور التي اعتمدها القرار في مقدمته وهي المواد الثانية، والثامنة والتاسعة والرابعة عشرة والثلاثون·
فإذا عرفنا أن المادة الثانية هي مستند التيار الإسلامي لفرض كل برامجهم الحزبية تحت مظلتها فما تفسير إقحام المادة الثامنة التي تنص على "تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين"؟ والتساؤل هنا ما علاقة "دعامات المجتمع والطمأنينة" بتحجيب الأغاني؟ وما علاقة تكافؤ الفرص بفرض قيود على الحفلات؟
أما المادة التاسعة فتنص على "ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه من الإهمال الأدبي والجسماني والروحي" أي استغلال في قرار إنسان اصطحاب أبنائه وزوجته لحضور حفل غنائي؟ وأي إهمال أدبي؟ وما علاقة الإهمال الجسماني والروحي بمنع الغناء؟
المادة الرابعة عشرة من الدستور تقول "ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون وتشجع البحث العلمي" هذه المادة ياحكومتنا الرشيدة المنضبطة تدعو إلى رعاية الفن والأدب وليس إلى قمعهما، أي بالعربي الفصيح عكس ما فعلتم تماماً، فالمطلوب بناء مسرح وطني يفي بالحاجة وليس الاكتفاء بهذه المسارح المتهالكة وبناء مكتبة وطنية للدولة وهي فكرة مقرة من أكثر من عقدين من الزمن ولم تر النور حتى الآن، أما البحث العلمي فيصعب ربطه بأي من الضوابط·
أما أقوى استناد لتقييد حريات الناس في وضع الضوابط تجده - عزيزي القارئ - في استناد القرار إلى المادة ثلاثين من الدستور وهي من دون تعليق: "الحرية الشخصية مكفولة"·
وبعد الاستناد القسري على مواد الدستور التي لويت أعناقها لياً وفسرت على عكس ما ذهب إليه المشرع، فلنأخذ البند الثاني في تبرير فرض الضوابط : وعلى الفتوى رقم (···) من إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولا تفسير لهذا النص إلا بكون إدارة الإفتاء أصبحت هي السلطة التشريعية للبلاد، وعندما تفتي ليس على الآخرين سوى الصمت المطبق والإذعان، على فكرة هذه ليست سوى إدارة في وزارة هي جزء من السلطة التنفيذية، والعاملون فيها موظفو حكومة يأخذون رواتب آخر الشهر مثلهم مثل أي موظف آخر في وزارة الكهرباء أو الشؤون أو الصحة· فمن أعطاهم كل هذه الصلاحية التي تتجاوز مواد الدستور وبالتحديد التي استند إليها القرار القراقوشي؟!
ومن الاستنادات الظريفة الأخرى لفرض وصاية الدولة الملتحية على الناس، البند الثالث في القرار والذي يقول "واستذكاراً للتقاليد والأعراف الكويتية الأصيلة وعادات المجتمع وتوجهاته وميوله" فرغم أن أحداً لا يستطيع أن يعدد بعض ما يسمى "عادات المجتمع" لأن المجتمع الكويتي مكون من أسر وقبائل وجماعات مختلفة ومتنوعة فعادات الزواج تختلف من أسرة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى والرقص والغناء المختلط هو من عادات بعض القبائل الكويتية قديماً ولم تختف هذه العادات إلا مع "صحوة المطاوعة"·
و إن تركنا موضوع العادات والتقاليد الذي يحتاج إلى شرح طويل لتبيان التنوع الجميل في تكوين المجتمع الكويتي الذي يحاول البعض خلطه في ما يظن هو أو يعتقد أنه عادات يتفق عليها الجميع، نقول إن تركنا موضوع العادات جانباً يبقى على من صاغ القرار أن يرحمنا ويفسر "توجهات وميول" المجتمع الكويتي التي استند إليها·
وآخر المبررات التي قدم للقرار بها الجملة التي تنص على "واستعراضاً للضوابط المنظمة للحفلات الغنائية العامة التي كان آخرها حفلة ما سمي بـ (ستار أكاديمي)"· يعني أن القرار الأخير استند فقط إلى ستار أكاديمي!!!! ويبدو أن من صاغ القرار نسي أن وزارة الإعلام هي التي رخصت الحفل بناء على ما لديها أصلاً من ضوابط، فكيف تستند إلى الحفل الأخير في وضع ضوابط للحفلات المقبلة، إلا إذا كان السماح بذلك الحفل من أجل خلق "هيصة وزمبليطة" متوقعة سلفاً لخلط كل الأمور على بعضها البعض، أي على طريقة "الإدارة من خلال الأزمة"؟!
وهذه بعض التعليقات السريعة على بعض الضوابط العجيبة:
الضابط الثاني ينص في آخره على التالي "ومنها عدم إظهار الجسم البشري عارياً" لاحظوا، فقط "الجسم البشري" لا يجوز إظهاره عارياً!! ثم تمضي الجملة لتقول "أو أن تكشف الملابس التي ترتديها النساء عن تفاصيل جسمانية تتنافى مع المألوف في المجتمع" ولم يبين الضابط ما هي التفاصيل الجسمانية التي لا تتنافى مع المألوف أو تلك التي تتنافى، يعني على مزاج المباحث ووضعه النفسي في حينها·
أما الضابط الثالث فينص على "يمنع الرقص بجميع أشكاله منعاً باتاً للجنسين" ولم يوضع ما يعتبر رقصاً وبالتالي على من يهز رأسه طرباً لأغنية أم كلثوم عندما تغنيها السيدة القرشي على التخت الشرقي (المسموح به) قد يتعرض للطرد من القاعة·
التعليقات كثيرة على "صحوة" الحكومة الضوابطية التي تقرر في آخر قرارها أن وزير الإعلام ينتدب "الموظفين اللازمين الذين لهم صفة الضبط القضائي لدخول الأماكن العامة لرقابة الحفلات الفنية العامة ويكون لهم الحق في إيقاف الحفل ···" أطرف ما في ذلك كله أن وزارة الإعلام والحكومة بأكملها تحدثت عن تشجيع السياحة في الكويت وأوجدت منصب وكيل وزارة للسياحة، وقبل ذلك شركة للمشروعات السياحية، وبدأت بمشروع "هلا فبراير" الذي رغم تعثره إلا أنه سيتحول في العام المقبل إلى ذكرى جميلة يتحدث عنها الناس وكأنها كانت في كوكب آخر، فبعد الضوابط ليس أمام السياح الفقراء الذين وجدوا في الكويت القريبة جغرافياً ملجأ لهم سوى البقاء في أماكنهم وما على الكويتيين سوى الاستمرار في ممارسة هوايتهم المتمثلة في السفر إلى أي مكان وفي أصغر إجازة·
sanezi@taleea.com |