طلت علينا مؤخراً الذكرى الـ 37 المشؤومة لهزيمة يوينو 1967م العسكرية على يد الجيش الإسرائيلي الذي تمكن في أقل من خمسة أيام من هزيمة جيوش ثلاث دول عربية واحتلال جزء كبير من أراضيها بعضها أراض فلسطينية تقع تحت عهدتها (الأردن: الضفة الغربية، مصر: قطاع غزة)·

كانت هذه الهزيمة ومازالت أخطر هزائم العرب في التاريخ المعاصر لأنها شكلت الأساس والجذر لسلسلة متصلة من الهزائم والتراجعات السياسية والحضارية حتى وصل العرب - دولاً وحركات - إلى ما وصلوا إليه اليوم من تشتت وتمزق وضعف وهو أن مع شيوع الفوضى السياسية والفكرية حول البوصلة الحقيقية لخروجهم من هذا النفق التاريخي الحضاري المظلم الذي بدا مستديماً لا بصيص نور في نهايته، وحيث يعشش في ظلامه الجهل والتفكير الخرافي في الغلو الديني جنباً إلى جنب مع الانقسامات المذهبية والطائفية وصعود النزعات والمصالح القطرية (بضم القاف) وإعطائها الأولوية دون أدنى اعتبار للمصلحة القومية إذا ما تعارضت الأولى معها، حتى لو اقتضى الأمر في ذلك التحالف مع الشيطان·· وجنباً إلى جنب مع صعود الحركات والجماعات الدينية المتطرفة التي باتت تهدد الأمن الوطني لشعوبها أكبر مما تهدد الأنظمة العربية كما تتوهم أو حلفائها الدوليين·

وإذا كانت هزيمة 1948م التي انتهت باحتلال جزء كبير من فلسطين أنشئت عليه الدولة الصهيوينة "إسرائيل" جاءت محفزاً لنهوض الحركات الوطنية العربية لتحقيق الاستقلال وكشفت هشاشة عملية التحديث وقشوريته والمشاريع الإصلاحية التي قامت عليها والتي سرعان ما نخرها الفساد واستبداد القائد الملهم الحاكم لتلحق بهذه المشاريع بما فيها ذات البعد القومي انتكاسة قاصمة لم تتعاف منها إلى يومنا هذا·

بيد أن تداعيات كلتا الهزيمتين (مايو 48، يونيو 67) تعكس في الوقت ذاته بامتياز تاريخاً طويلاً من نصف قرن من إهدار الفرص الضائعة لعدم تمكن العقل السياسي العربي من التخلص من أسر رفض قراءة الواقع مهما كانت مرارته، وعدم القدرة على التكيف مع أي هزيمة أو خسارة مما يسمح بالتقليل من مخاطرها ومغانم العدو منها، ويتيح الفرصة للحفاظ على ما تبقى من أدنى مكاسب وحقوق حتى لا تتعرض بدورها للضياع في ظل ظروف مستجدة مباغتة أكثر تعقيداً يعجز العرب معها عن الحفاظ على ما تبقى من تلك المكاسب والحقوق في أيديهم، وهذا ما حدث بالضبط بعد هزيمتي 48 و 67 على التوالي·

فقد رفض العرب دولاً وحركات قرار التقسيم عام 1947م والذي كان يمنح الفلسطينيين أرضاً أكبر من الضفة والقطاع وأصروا على انتظار خوض معركة قومية لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر فانتهت فلسطين بالابتلاع الصهيوني الكامل من البحر إلى النهر، ناهيك عن أراضي دول عربية أخرى·

وبعد عام 1967م ومع بداية نزوع نحو التكيف الواقعي والعقلاني في تجنيد القدرات الذاتية الممكنة في ظل الهزيمة قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر القرار 242، ثم قبل مبادرة روجرز لكن القوى القومية واليسارية المتطرفة في منظمة التحرير ونظامي البعث في سورية (قبل انقلاب الأسد) وبغداد هاجموا بعنف خطورة عبدالناصر وتم تخوينه لينتهي الأمر لاحقاً بالفلسطينيين ليس بالتأسي على قرار التقسيم الضائع المضيّع بل بالمطالبة بتفعيل القرارين 242 و 338 للحصول على ما اغتصب من أراض في عام 1967 م التي هي أقل من الأراضي الممنوحة لهم بموجب قرار التقسيم·

والآن فقد تعقدت الظروف الإقليمية والدولية فضلاً عن أوضاع العرب الغنية عن الوصف ليغدو حتى النضال من أجل استرجاع أراضي 1967م بالغ الصعوبة والتعقيد في ظل تغول الوحش الإسرائيلي بقيادة شارون واستفراده بالشعب الفلسطيني الأعزل·

وعلى هذا النحو يمكننا على الصعيد الداخلي في عدد من البلدان العربية أن نلمس تجليات هذه العقلية السياسية العدمية في سلسلة تاريخية طويلة من إهدار الفرص السياسية لنيل الحقوق والمكاسب السياسية والديمقراطية وتحسين أوضاع القوى السياسية تحت شعار المقاطعة العتيد المعلن أو الكامن "كل شيء أولا شيء"·