تعددت في العالم "المذاهب" والاتجاهات الفكرية، والأمر غير مقتصر على الأمة الإسلامية، فالمذاهب نتاج عقول البشر في شتى أرجاء المعمورة، جذورها من الإنسان وهدفها الإنسان·
ومن البديهي أن يكون لكل مذهب أو اتجاه، فلسفة خاصة ومبادئ يحترمها فهي التي تشكل بعده المعنوي وتبلور مواقفه لتتواءم مع أمانيه ورغباته، وينشد تكييفها بالمقدار الذي تخدم من استقطبهم لمنهجه، من هنا يتبادر لنا تساؤل، لماذا - وعلى مر العصور - تقوم مذاهب وتنتهي أخرى ويشتعل منهج أو تيار ويخبو آخر؟!
الجواب قد يكون سهلا وصعبا في ذات الوقت، لأن كل المذاهب ليست بالضرورة عقائدية مسددة من السماء، وبالتالي بعضها إذا لم نقل جلها، هو نتاج التفكير الإنساني واجتهاد العقل الذي يتبع منطق الأشياء، فهو يفرض على البشر تصورات في زمان ما، ثم هو ذاته الذي ينقضها في زمان لاحق وفي المحيط نفسه أيضا، وهناك أسباب عدة أيضا تضاعف مثل هذا التذبذب بين المذاهب والانكفاء في بعض الاتجاهات نختصرها في النقاط التالية:
أ - البعد المثالي: فكلما وجد المذهب أو المفكر نفسه في محيط المثالية تلقائيا يحاصر نفسه في محيط العجز والنقد، فالإنسان بطبيعته قاصر الإدراك ولا يمكن له أن يعرف مضامير النفس البشرية وتكويناتها المعقدة فتتكشف مع الوقت أمور غائبة وتستجد أشياء لم تخطر على بال، فلا بد من المراجعة والوقفة التقييمية وهو ما يتخوف منه النمطيون في العادة·
ب - عدم استيعاب الاتباع للأسس القائمة والفلسفة المطلوبة من المذهب أو الاتجاه وذلك من أجل ديمومته وتهذيبه من الشوائب·
ج - بروز اتجاهات منافسة ومغايرة تمهد للصراع وتبرر الانحراف لدى الكافة وتكون مقدمة للعنف أحيانا·
د - اختلاط الرغبات المادية مع النوازع الروحية وسيطرة أحدهما في النفس البشرية، فتتداخل الرغبات الشخصية مع الفهم الأيديولوجي والسلوك السياسي لدى القياديين·
هـ - التفسير المتطرف للأفكار والأحداث، غير المتوافق مع الروحية الإنسانية الوديعة والذي يؤدي الى انسداد في شرايين الاعتدال لدى الاتباع مع الوقت حيث ينشأ التعصب المقيت·
ومهما يكن بالإجابة من اختصار، فإن أي مذهب أو اتجاه مهما تهيأت له الإمكانات لا يستطيع أن يقنع جميع أهل الأرض باتباعه والإيمان به، فالتجارب البشرية على مر التاريخ تؤكد لنا ذلك، "رسالات سماوية معتمدة من رب العالمين يؤولها الإنسان عن مقاصدها النبيلة بصدق النوايا تارة وتارة يحرفها عن سبق إصرار وترصد كما يفعل ذلك عدد ليس قليلا"·
لهذا، فلو وضع المنظرون في أذهانهم أنهم كلما اقتربوا من السمو في الإنسانية فإنهم يقتربون من الرقي في فهم العلاقات البشرية التي تساعد على ديمومة أي فكر، وحتى تتحقق الإنسانية يجب النأي عن مجاراة الجور وعدم خلق مبرراته واستيعاب العدالة في البيئات كافة، إنها مهمة صعبة وشاقة ولكن بالتأكيد ممتعة للذين ينشدون الخير للإنسانية ويرغبون بها، فلنحاول·
رشفة أخيرة
* لا ريب أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة ويكفيه فخرا أنه هدى أمة برمتها الى نور الحق وجعلها تخضع للسكينة والسلام ومنعها من سفك الدماء وفتح لها طريق المدنية" المفكر الشهير تولستوي.
mullajuma@taleea.com |