رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 سبتمبر 2006
العدد 1742

عطلة السبت تقليد عربي قديم
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

كان الخميس الماضي أول خميس في شهر سبتمبر الذي حُدِّد موعدا لتغيير عطلة نهاية الأسبوع من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت، وبالتالي فهو أول خميس يمر علينا في دولة الإمارات ونحن في مواقع عملنا، بدلا من أن نكون في منازلنا كما اعتدنا طيلة السنوات الماضية·

ولا يزال الأمر صعبا رغم انقضاء الأسبوع الأول، إلا أن الأيام كفيلة بإعادة برمجة عقولنا ونفسياتنا التي اعتادت على الترتيب الأسبوعي السابق الذي يبدأ بيوم السبت وينتهي بيوم الأربعاء، لتعتاد الآن على بدء الأسبوع بيوم الأحد وانتهائه بيوم الخميس·

وجاء هذا التغيير استجابة لمطالب اقتصادية بالدرجة الأولى، فوجد أفرادَ المجتمع يقفون في استقباله ما بين مرحب ورافض·

وقد أبدى المرحبون سرورهم بهذا التغيير لأنه يكسر مألوفهم وما اعتادوه مذ أبصرت عيونهم النور، كما يرون أن هذا التغيير يسمح لهم باستثمار يوم الجمعة كيوم عيد حقيقي للمسلمين لأن اليوم التالي له سيكون يوم عطلة، مما يسمح لهم بالخروج والتنزه وزيارة الأقارب دون أن يُثقَلوا بهمِّ العمل في صباح اليوم التالي كالسابق· أما الرافضون فقد رأوا في هذا التغيير خروجًا عن النظام العربي لترتيب أيام الأسبوع، وتشبهًا بالغرب وتبعية له·

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي قام بترتيب أيام الأسبوع عندنا -العرب المسلمين- لتبدأ بالسبت وتنتهي بالجمعة؟ ومن الذي حدّد يومي الخميس والجمعة عطلة لنهاية الأسبوع دون غيرهما من أيام الأسبوع؟

لقد احتلّ هذا الموضوع -ترتيب أيام الأسبوع- حيزًا لا بأس به في عدد من المصادر التراثية العربية التي نقلت لنا الآراء والمذاهب التي قيلت عن عدد أيام الأسبوع وترتيبها وتحديد أولها وآخرها· وقد ذكر البيروني والقلقشندي وغيرهما تفاصيل كثيرة مدعومة بعدد من الروايات والأدلة من القرآن الكريم والحديث الشريف لإثبات الأوجه المحتملة فيها·

ويبدو البحث عن رحلة أيام الأسبوع عند العرب أمرًا ممتعًا؛ فقد تحدث العلماء العرب القدماء قبل قرون عن سبب تسميتها بأسمائها التي نعرفها نحن الآن بها ولكن أكثرنا لا يعرف مصدرها، كما أثاروا موضوع بداية الأسبوع ونهايته في محاولتهم لتحديد أول أيام الأسبوع وآخرها·

ويجد المتتبع لهذه الأفكار في المصادر التراثية العربية أنها -في معظمها- تتفق مع التغيير الحاصل حاليًا في توزيع أيام العمل والعُطَل في الدولة، ولا تتعارض مع التصور العربي الأصيل عن كل يوم منها، رغم ما يذهب إليه البعض من اعتبار هذا التغيير تبعية للغرب·

ويمكننا معرفة التسلسل التاريخي للأسماء التي أطلقت على أيام الأسبوع قبل أن تستقر على ما هي عليه الآن اسمًا وعددًا بالرجوع إلى البيروني الذي يذكر أنها قد مرت بثلاث مراحل مختلفة، اختلفت فيها أسماء الأيام، كما اختلفت أيضًا أعدادها في الأسبوع الواحد؛ ففي المرحلة الأولى كانت الأسماء تُطلق على كل ثلاث ليال -على سبيل المثال: أول ثلاث ليالٍ كانت تُسمى الغرر، وثاني ثلاث ليال تسمَّى النفل، وهكذا حتى عاشر ثلاث ليال وكانت تسَّمى المحاق- وكانت الأسماء مأخوذة من أطوار القمر وأحواله، وبهذا كان الشهر العربي يتكون من عشر مجموعات، وكل مجموعة تتكون من ثلاث ليال، والشهر فيه خمسة أسابيع، ويتكون الأسبوع الواحد من مجموعتين من العشر، أي من ست ليال·

ثم جاءت المرحلة الثانية، وفيها أصبح عدد أيام الأسبوع عند العرب سبعة أيام، ولكنها كانت بأسماء مختلفة، اللافت للنظر فيها أنها تبدأ بيوم الأحد، وكان يسمى (أول) -على اعتبار أنه أول أيام الأسبوع عند العرب العاربة والمستعربة-، وتنتهي بيوم السبت وكان يسمى (شيار)·

أما المرحلة الثالثة، وهي المرحلة التي استقرت فيها أسماء أيام الأسبوع على الأسماء المعروفة بها حاليًا، فيذكر البيروني أنها كانت تبدأ بيوم الأحد -بمعنى واحد مثل: "قل هو الله أحد"، ويليه يوم الاثنين وهو ثاني أيام الأسبوع، وهو سبب تسميته بهذا الاسم كذلك، وهكذا حتى يوم الخميس، وهو خامس أيام الأسبوع·

ويلي الخميسَ يومُ الجمعة، الذي كان يسمى في السابق يوم عَروبة، أي يوم العرب، ثم سمي بالجمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة وغيرها·

أما يوم السبت فقد سمي بذلك من الراحة والسكون، ومن (السبات) بمعنى الانقطاع· ويقول القلقشندي إن العرب قد أخذوا هذه الأسماء بترتيبها من مجاورة العرب المستعربة لأهل الكتاب، وأنهم قبل ذلك لم يعرفوا إلا الأسماء التي وضعتها العرب العاربة -وهي: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت-·

ويذكر القلقشندي في صبح الأعشى ثلاثة مذاهب مختلفة قيلت في بيان أول يوم في الأسبوع؛ فالمذهب الأول يرى أن أول أيام الأسبوع وابتداء الخلق هو الأحد، واحتج لذلك بحديث ابن عباس أن اليهود أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن خلق السماوات والأرض، فقال: "خلق الله -عز وجل- الأرض يوم الأحد"، وإذا كان ابتداء الخلق الأحد لزم أن يكون أول الأسبوع الأحد·

ويرى المذهب الثاني أن أول أيام الأسبوع وابتداء الخلق السبت· واحتج له بحديث أبي هريرة "أخذ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت"، وإذا كان ابتداء الخلق السبتَ لزم أن يكون أول الأسبوع السبت·

أما المذهب الثالث فيرى أن أول أيام الأسبوع الأحد، لما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- خلق يوما فسماه الأحد، ثم خلق ثانيًا فسماه الاثنين، ثم خلق ثالثًا فسماه الثلاثاء، ثم خلق رابعًا فسماه الأربعاء، ثم خلق خامسًا فسماه الخميس"، ولا ذكر في هذه الرواية ليومي الجمعة والسبت رغم ورودهما في الذكر الحكيم·

ونخلص من هذا إلى نتيجة مفادها أن التغيير الذي أُقِرَّ مؤخرًا في الدولة بخصوص تحديد أيام العمل وأيام عطلة نهاية الأسبوع في الدولة من شأنه أن يحقق الكثير من الإيجابيات للدولة على المستوى الاقتصادي، نتيجة لتقليص عدد أيام الانقطاع وعدم التواصل مع العالم الخارجي، إلا أنه من جهة أخرى يبثّ الحياة في وجه من وجوه ترتيب أيام الأسبوع كان معروفًا من قبل، ولا تزال مصادرنا التراثية محتفظة به بين دفّتيْها·

وإذا كانت العرب العاربة والمستعربة قد ابتدأت أسابيعها بيوم الأحد، ويؤكد ذلك التطابق الحاصل بين معاني أسماء الأيام وترتيبها عندهم كما تذكرها المصادر العربية القديمة، فإن ما حدث هذا الأسبوع في دولة الإمارات لأول مرة في تاريخها هو تطبيق عملي وواقعي لهذا التصور الذي ذكره البيروني والقلقشندي وغيرهما، وتجربةٌ لوجه آخر من وجوه ترتيب أيام الأسبوع المذكورة في تلك المصادر، تتسلسل فيه أيام الأسبوع من الأحد إلى الخميس وكأنها تحدد نفسها أيامًا متتالية للعمل والسعي لكسب الرزق، ويبقى يوم الجمعة على حاله يوم عيد المسلمين واجتماعهم إلى صلاتهم وصلتهم لأرحامهم، ويتم بموجب هذا الوجه تحويل يوم السبت إلى يوم سكون وراحة وسبات، وإعادة يوم الخميس إلى موقعه الطبيعي، لينتقل من دائرة الظل إلى دائرة النور، ويصبح يوم إنتاج وعمل، بعد أن كان يوم راحة وكسل·

* جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

إن المساجد لله..!:
عبدالخالق ملا جمعة
Shut up and pray!:
فهد راشد المطيري
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة:
د. نسرين مراد
"زيارة ناجحة":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تجزؤ العراق:
د. محمد حسين اليوسفي
أين ذهب الشارع الإماراتي؟:
ياسر سعيد حارب
رسالة من السجون الإسرائيلية:
عبدالله عيسى الموسوي
عطلة السبت تقليد عربي قديم:
د. فاطمة البريكي
أشياء صغيرة:
د. لطيفة النجار
الموت المجاني:
د. حصة لوتاه
حقيقة الانتصار:
يوسف الكندري
المنتصر والشروط:
فيصل عبدالله عبدالنبي