| يصادف هذا اليوم الثلاثون من حزيران (يونيو) تسليم السلطة إلى العراقيين وهو حدث تاريخي في حياة العراقيين والمنطقة عموماً وعلى جانب كبير من الأهمية ومن جميع النواحي بدلالاته وآفاقه المستقبلية، حيث سيبدأ في هذا اليوم الشكل الأرقى والنهائي للمرحلة الانتقالية التي بدأت في التاسع من نيسان (أبريل) 2003 بكل ما شابها من نواقص وأخطاء وتجارب وعنف وصراعات دموية وحوارات سلمية وحِراك اجتماعي وسياسي وفكري وتحالفات وتأسيس منظمات وتوازنات·
هذه الفترة الأخيرة من المرحلة الانتقالية ستكون أيضاً حافلة بالأحداث والعمل لإرساء الحكم بأطره الدستورية القانونية الشرعية عبر الانتخابات العامة وتشريع الدستور الدائم وقانون الانتخابات والتعداد العام للسكان ومجلس النواب وتأسيس الجيش وقوى الأمن الداخلي وإحلال السلام والاستقرار، ومن ثم التوجه لحل الأزمات التي تعاني منها البلاد والتي باتت تلقي بثقلها ومضاعفاتها الخطيرة على الدولة والمجتمع· إذن هذه الفترة الانتقالية ستكون من أكثر الفترات التي يستوجب فيها حشد الطاقات وتعبئة الجهود واستنفار الإمكانات والسماح للجميع بأن يشارك في العملية السياسية بشكل سلمي وحضاري وأن يكون العراق أولاً وأخيراً رائد الجميع، عراقاً واحداً وشعباً واحداً يرفل بالسعادة والازدهار دون تمييز وعلى قدم المساواة أمام القانون دون أي اعتبار لأي فوارق وتمايزات دينية وطائفية وقومية ومناطقية·
ولعل أولى مهمات السلطة الانتقالية الجديدة هي ضبط الوضع الأمني وتحويل العراق من ساحة لصراع الإرادات والمصالح إلى ساحة لسيادة المصلحة العراقية والإرادة العراقية بمشاركة الجميع وتصديهم لجميع المخاطر التي تستهدف الجميع ولا تميز بين فئة وأخرى وبين قوى وأخرى فالعراق في خطر والعراقيون يدفعون الأثمان الباهظة إن هم لم يستوعبوا ويدركوا أسباب تلك الأخطار وأبعادها الكارثية وسر نجاحهم يكمن بوحدتهم وتماسكهم·
والمهمة الأخرى توفير الخدمات العامة وفرص عمل للعاطلين أو منحهم (بدل بطالة) يتدبرون به أمور معيشتهم حتى تتوفر لهم أعمال ووظائف وإعادة المفصولين لأسباب سياسية في العهد السابق على أن يسير ذلك بالتوازي والتلازم مع العملية السياسية لأن نجاحها مرهون بتوفير أجواء الاستقرار والسلام الاجتماعي والازدهار الاقتصادي ومعالجة آثار ومضاعفات أكثر من 35 عاما الحكم المطلق·
وهكذا فإن أمام السلطة الانتقالية مهمات ضخمة ومعضلات كبرى لا تستطيع إنجازها على الوجه الأكمل دون تعارف الجميع وابتعادهم عن المكاسب الحزبية والفئوية الضيقة والنزاعات الذاتية الانتهازية المدمّرة·
والسؤال المطروح: هل بإمكان سلطة محكومة بفترة انتقالية قصيرة جدا أن تنجز جميع تلك المهمات الكبرى؟!
والجواب في اعتقادي أن ذلك يمكن فقط من خلال الوحدة، وحدة الصف ووحدة العمل ووحدة المجابهة ووحدة الكلمة والموقف، فالوحدة هي التي تنتج المعجزات وتحرق المراحل وتختزل الزمن·
ولذلك فالوحدة هي الشبح الذي يطارد الأعداء ويمنيهم بالهزائم المريرة لأنهم دائما يسعون إلى التمزيق وتجزئة المجزّء وتقسيم المقسم وعلى صراع تلك الأجزاء والتقسيمات وحروبها الدموية يستطيع الأعداء السيطرة والعبث بمقدرات البلاد ومستقبل الشعب·
أما على صعيد الموقفين الإقليمي والدولي تجاه انتقال السلطة للعراقيين فإن ذلك مرهون بسياسات ومصالح تلك الدول ولكنني أعتقد بأن استقرار العراق ونجاح تجربته السياسية سيصب في مصلحة الجميع لأنه سيكون عامل سلام ووئام وساحة لا نظير لها من حيث الضخامة والتنوع للاستثمار وبرامج التنمية والإعمار كونه بلدا مخربا مدمّرا يشكو الكوارث والنكبات وأعتقد بأن معظم تلك الدول تدرك أهمية العراق ومكانته وإمكانية أن يلعب دورا مؤثرا في مجرى السياسة الدولية وأنساقها وسياقاتها لأنه هذه المرة عراق الدستور والقانون والمؤسسات الشرعية المنتخبة وليس عراق الغزو والحرب والعدوان و"البلطجة" وكما يقول المثل "إذا كان جارك بخير فأنت بخير" والخطر يكمن دائما في السلطة السياسية المطلقة التي حكمت وتحكمت بالعراق وبالعراقيين وإمكاناتهما وقدراتهما البشرية والطبيعية الهائلة·
لذا أرى أن الجميع مدعو إلى المساهمة في بناء العراق بالأفعال لا بالأقوال والشعارات وهذا ما يريده العراقيون ويتطلعون إليه من أشقائهم وأصدقائهم في الحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى·
hamid@taleea.com |
