من المفارقات العجيبة و"القراقوشية"! إن د· عصمت عبدالمجيد، مازال يتحفنا بين فترة وأخرى بتصريحات غريبة ولا تستند إلى أي نص قانون أو مبدأ سماوي أو عرفٍ دنيوي وليست لها علاقة بميثاق دستور الجامعة العربية التي يتربع على أمانتها العامة، ولا الأمم المتحدة·
يقول: يجب المصارحة قبل المصالحة! ولا مصالحة بلا مصارحة ثم طالب العراق بالاعتذار للكويت عن غزوه لها عام 1990 ولما سببه من معاناة، واعتبر أن الأجواء العربية الحالية فرصة أخيرة أمام هذا النظام ليعالج الأخطاء والمشاكل التي نجمت عن غزوه الكويت وبالتالي رفع المعاناة عن الشعب العراقي·
ثم عاد مرة أخرى ليقول: لابد أن نتصارح ونصحح الأخطاء وأن يبدأ العراق بتصحيح ما ارتكبه بحق الكويت وأن يعلن عن اعتذاره عما حدث؟!!
مبدأ الاعتذار يصح إذا تشاجر شخصان مثلاً فيعتذر أحدهما للآخر وبشكل ودي وينتهي الأمر أو أن شخصاً سقط قدح من يده في مطعم أدى إلى انكساره فيعتذر ثم يتحمل الأضرار التي نجمت عن ذلك·
مثل تلك الاعتذارات مقبولة ومع ذلك فهي مشروطة بالتعهد بعدم تكرارها·
أما أن يعتذر حاكم غزا دولة واحتلها بالكامل وشرد أهلها ونهب ممتلكاتها وقتل وعذب أبناءها وأحرق أكثر من سبعمئة بئر بترول هي مصدر رزقها الوحيد ولوث البيئة البحرية وقبل انسحابه أسر أكثر من ستمئة من أبنائها لايزالون حتى الآن في سجونه الرهيبة، ويدمر التضامن العربي والمصالح والثروات العربية·
مثل هذا الحاكم أليس من الواجب على كل إنسان صاحب ضمير يحترم نفسه وشرفه ونزاهته وإنسانيته ومنصبه قبل كل شيء (آخر) أن يطالب بمحاكمته وإنزال أقسى العقوبات بحقه وذلك لتوافر كافة الأركان المادية والقانونية وركن المسؤولية الجنائية·
تأتي تلك التصريحات في وقت تتصاعد فيه حملة "إندايت" بزعامة السيدة آن كلويد النائبة البريطانية من أجل محاكمة صدام وعصابته ومنذ ثلاث سنوات والعراقيون يعتصمون في الطرف الأغر بلندن للغرض ذاته·
ليس عبدالمجيد من يقول هذا فقط بل أحمد بن حلي الأمين العام المساعد للشؤون العربية فهو من أكثر المتحمسين لإنقاذ نظام صدام باسم "القانون الدولي" وكأن الجامعة العربية مصابة فعلاً بجراثيم صدام حسين وهي فعلاً كذلك·
واللافت للنظر أن عبدالمجيد يحصر مسألة اعتذار صدام للكويت فقط وينتهي كل شيء، أما الجرائم التي ارتكبها ومازال في العراق ومنذ ثلاثة عقود والموثقة بمليون دليل ولا نظن بأن عبدالمجيد غير مطّلع عليها فهي لا تستحق حتى "الاعتذار"! وإن الإشارة إليها يعني "التدخل في الشؤون الداخلية، بينما الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الواردة في تقارير المندوب الدولي السيد ماكس فان ديرشتويل ولا نقول تقارير المعارضة العرقية التي لا يعترف بها عبدالمجيد حتماً وجرائم إبادة الجنس والحرب والبيئة هي جرائم دولية تخص العالم بأسره حسب القانون الدولي الإنساني وإن إدانتها ومحاكمة مرتكبيها أصبحت مسألة تخص العالم أجمع ولو كان النظام لا يضطهد شعبه لما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره المرقم 688 القاضي بمنع القمع في العراق ولو أنه لم يطبق حتى الآن إلا أنه اعتبر سابقة مهمة في أن العالم يجب أن يتدخل لمنع الحكام المجرمين في إبادة شعوبهم·
لا نود الاستطراد وبعيداً عن تكرار الخطاب فإننا نذّكر عبدالمجيد بأن محاولته هذه لن تنجح وستبوء بالفشل مثلما فشلت محاولات سابقة كانت أكثر قوة وجدية ومدعومة وقام بها أصحابها بأنفسهم وبشكل مباشر من دون اللجوء إلى وكلاء، وأصبح من البديهيات المؤكدة أن النظام الصدامي سيسقط حتماً وفي أية لحظة وأن الأنباء الواردة من بلادنا تشير إلى تصاعد كفاح شعبنا المسلح والسلمي وتكثيفه في العاصمة بغداد حيث يسمع فيها أصوات الرصاص والمدافع طوال الليل والناجم عن عمليات مصادمات ومقاومة بحيث أصبح المسؤولون لا ينامون في منازلهم· أما في الوسط والجنوب فإن سلطة صدام تنتهي حين ينتهي غروب الشمس ولا نظن أن السيد عبدالمجيد لا يعرف هذه الأمور وزيادة!
والسؤال إذا كان يعرف أشياء كثيرة عن الوضع في العراق بوصفه أميناً عاماً ويعرف مبادئ القانون الدولي وإن كل جريمة بعقاب وليس في أي قانون قبول التنازل عن الحق المدني العام للجناية بالاعتذار· إذاً لماذا يصر عبدالمجيد على تلك التصريحات الساخرة وهو أمين عام ليس للأنظمة السياسية العربية فقط إنما للشعوب العربية وشعبنا العراقي واحد من شعوب هذه الدول الذي حوله صدام وعصابته إلى قتلى ومعذبين ومسجونين ومعاقين وموتى بسبب الجوع والمرض·
وما موقفه من قتل صدام لآلاف المواطنين المصريين الذي كشف عنه الأستاذ إبراهيم سعدة؟ فهل يقبل اعتذار صدام ليغلق ملف هذه الجريمة؟ ونحن نخشى أن يكون فعلها صدام فقبلتها مصر وعبدالمجيد وأغلق الملف وذلك بدليل توقف الحملة المطالبة بدماء أولئك المصريين الأعزاء والأبرياء!!
تلك الحقائق لا تخفى على عبدالمجيد، إذن لِمَ يصر على تلك التصريحات، ومنذ سنوات؟ هذا السؤال وإن كنا نعرف الإجابة عنه إلا أننا نترك للقارئ الكريم فرصة المشاركة في هذا المقال·
والله الهادي إلى سواء السبيل· |