يعتبر تعدد الأحزاب وحرية تكوين المؤسسات والجمعيات والمنظمات السياسية ظاهرة صحية لصيانة حرية الرأي والتعبير والاجتماع، ووسيلة حيوية في إدارة الصراع السياسي بشكل يبعده عن دائرة العنف والتطرف والعمل السري، فالتعددية الحزبية تقدم الإطار العام لتدريب المواطنين على العمل السياسي المنظم، وترتيب الأفكار والمبادئ السياسية والاجتماعية وفقا لبرامج واضحة والطرق اللازمة لتنفيذها والوسائل الفاعلة لنقد أعمال الحكومة وتوجيهها نحو خدمة الصالح العام، والأهم أنها تقدم المرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية والإدارية العامة مما يحقق تمثيلا واقعيا للمجتمع وعدم قصره على فئة أو طبقة اجتماعية معينة، وليس من الغريب أن يقترن نمط تعدد الأحزاب بالمجتمعات المتقدمة صناعيا واجتماعيا وثقافيا، حيث يستطيع الفرد أن يحقق مصالحه وطموحاته الشخصية في إطار نظام دستوري وقانوني يسمح بالمنافسة الحرة، ويجري فيها احترام النظام والاستقرار، وتتناسق فيها المصالح·
أما في بلد العجائب والغرائب، ودولة الرفاهية الاجتماعية والنفاق السياسي فقد ظهر نمط برلماني لا يؤمن بالعمل الحزبي لكنه ينادي بالاستقلالية في إطار تكتل "غير مستقل!"، أهم أجندته هو الالتقاء على قضايا كثيرة لمصلحة البلد "ما دام يتفق مع مصلحتهم"، وعدم الإثارة والتصعيد "حتى لا يزعل المعزبين"، ولا نعلم إذا كانت الاستقلالية تشمل النواب الموجهين بـ "الريموت كنترول" (بطاقة) الدعم الحكومي أو "بمكتب الواسطة وخدمة النائب"، ولا أفهم كيف تكون الاستقلالية عند نواب الانتخابات الفرعية والقبلية بعد ما "أقسموا" على رد الجميل لمن انتخبهم في الفرعيات، وتحقيق إنجازاتهم وفقا لمنطق "طلبتك" و"آمرني"· إن المضحك حقا أن يكون من أدعياء الاستقلالية نواب "الواسطة" وشراء الذمم بالرغم من أنهم مدينون بالولاء والطاعة الى من ساندهم عبر الخدمات الحكومية ومولهم عبر صندوق المال السياسي، ويبدو أن القاسم المشترك الذي يجمعهم وسط هذا الخليط السياسي والاجتماعي ليست أجندة سياسية و"لا هم يحزنون"، لكن الهدف هو مواجهة مشروع تعديل الدوائر الانتخابية لأنه يضر بمصالحهم الانتخابية ويمس بشكل مباشر مصالح قوى الفساد في البلد·
كنا نتمنى أن يعكس مفهوم الاستقلالية هؤلاء الذين خلعوا معطف الولاء الحكومي، وأن يكون تكتلهم معبرا حقيقيا عن مصالح وبرامج محددة بعيدة عن الاحتكار والهيمنة الحكوميتين، وفي هذا السياق لا يمكن أن تكون كتلة مستقلة لأنها عندئذ تجسد آراء ومواقف ومصالح في صورة برامج تحدد السياسات العامة التي يرى أعضاؤها أنها تخدم الصالح العام·. |